الماضي حقبة زمان هامة في تاريخنا العربي تحديداً حتى أننا تميزنا بهذه الحقبة، واصبحنا اشد تعلقاً بها، واكثر اقتراباً منها من أي حقب زمانية اخرى..
لا يخفى تاريخ الأدب العربي.. بل إن جل روايات الكتاب العرب وضعوا إرث تاريخ الحكاية في الماضي بين اعينهم فلم يبصروا الا لغة ما كان.. كأنهم هؤلاء، اهل السرد والشعر لا يعرفون من الحقب الى ما عبر الى النسيان.
انها ظاهرة غريبة.. تحتاج الى تأمل ومتابعة واستقصاء شأنها شأن اي قضية انسانية اخرى..
لنقف - كما اشرنا - عند فن الرواية لنتأمله، ونرى تفاصيله الدقيقة، سنجد ان «حكاية الماضي» قد شغلت الكثير من الكتاب.. ولنكن اكثر خصوصية، ونتأمل عن تمعن وتمحيص ما يكتبه الروائي ابراهيم الناصر الحميدان مثلاً، سنجد ان للماضي حضوراً في جل رواياته.. فهذا «الماضي» حالة شجن عجيب يتعلق فيها الاديب الحميدان بل يتفانى في استعراضها، واستحضار صورها المتعددة حيث تتصارع الافكار حول «الماضي» بوصفه عالماً اثيراً مكتظاً بالصور المعبرة.. لتتوارد الرؤى حول معالم هذا الماضي الذي يأسر الانسان دائما الى وشائج الدهشة الاولى.. لحظة ان تعصف العاطفة بكل شيء.
ومن «الحميدان» تنطلق المقاربة حيث يكتب الدكتور تركي الحمد رواياته وعينه على الماضي، وذاك معالي الدكتور غازي القصيبي ينهل من معين «كان» وكذلك رجاء عالم، وعلي الدميني وابراهيم شحبي، وآخرون.. كل هؤلاء يستنبطون لغة الماضي.. ويتعمقون في سرد تفاصيل تلك الحقبة المغادرة الى تضاعيف النسيان..
من يقرأ «غيوم الخريف» للحميدان، و «شقة الحرية» للقصيبي، وثلاثية الحمد، والخيمة الرصاصية للدميني والخاتم لعالم يجد ان الماضي لازال ماثلاً بين الاقلام والافكار.. هو سرد عجيب وظاهرة تحتاج الى متابعة واستنطاق لعوالمها وسبر اغوارها.
ظاهرة «الماضي» تسيطر على كتاب عرب آخرين.. بل انها سمة عربية مميزة، تعلق بها اهل التاريخ، وهاهم اهل الابداع.. ينهلون من معينها.. في وقت لا يختلف به اثنان حول سيطرة الماضي على الشعراء منذ قرون عدة،.. فكل ابداع لابد ان يكون للماضي به حضور حيث يقف الشعراء المفوهون على الاطلال دائماً..
نود ان نتعرف على اسباب هذا التعلق في الماضي لان الظاهرة اصبحت رأي العين.. وهي من اولويات حياتنا الادبية في وجهها الابداعي.. فلا تخلو اي رواية من روايات الاديب الحميدان ومن اتى بعده من هذا الحضور الطاغي للماضي.. بل إن توارد تلك الحقبة الزمانية في الذهنية المبدعة اثمر ادباً قوياً ومتميزاً جعل من الماضي شعلة لا يمكن لها ان تنطفئ.
نحن امام سؤال كبير.. لماذا يسيطر الماضي على الرواية..؟!.. ولماذا يقبل الكتاب على مد جسور التواصل مع تلك الحقبة العابرة..؟ ولماذا «كان» هي الاثيرة لدى كثير من الكتاب المبدعين..؟!
|