خطوط الظلام.. كانت الأقل في سماء القرية.. وصوت ديك ام حسام.. اخبر الجميع ان صباحاً حزيناً جديداً قد ولد الآن.. صباحهم نسي الفرح منذ زمن بعيد.. الصغير تسلل من داره سابقاً موعده المعتاد ليلتقي رفاقه.. اتفقوا ان يلعبوا الكرة قبل ان يرن الجرس ذو الصوت العالي في مدرسة بيت حانون.. كل شيء عادي.. كما ارغموا ان يروه.. جنود هنا وهناك.. اسلحة صار يألف رؤيتها اطفال القرية.. اكثر من رؤيتهم لالوان الطيف..حواجز اسمنتية واخرى حديدية موزعة كيفما اتفق.. كان الاهم انها تعيق مرور اهالي القرية وتنقلاتهم.. سار الصغير وجدران المنازل الحجرية المتراصة.. داعب اغصان الاشجار المتدلية.. كما داعبت نسمة ربيعية خصلات شعره الذهبية المسترسلة على جبينه.. سار وهو يردد احد اناشيد النصر.. التي طالما سمعها من شباب القرية.. حتى وصل اول الطريق.. هناك كان هو والطاغية وجهاً لوجه.. الاخير كان قزماً رغم عضلاته المفتولة.. واكتافه المدججة بالسلاح. رفع الصغير ناظريه للسماء اطلق نداءً لم يتجاوز شفتاه.. لكنه فاق كل الذبذبات.. رب انهم لا يعجزونك.. نظرات الصغير.. تتهاوى لتقع سهاماً في عيني الطاغية.. يتقدم بعدها ليتجنب المزيد.. من النظرات.. هو ليس في شوق لتلويث عينيه بملامح احد ابناء القردة.. الصغير يسير بخطوات.. من غضب.. هي تثير جنون الطاغية.. تفقده صوابه.. نظرات الصغير قوية.. لاذعة تحرق عروقه الدنسه.. وتفيق لديه الاحساس.. بحقارته.. انه بشع لحد يثير التقزز يتقدم الطاغية كم يتمنى ان يحيل شعوره بضعفه.. للكمات وضربات. يصبها على جسد الصغير.. لن يجد من هو اضعف منه ليصليه نار انتقامه.. سبقه الصغير بمسافة.. بينما هو.. كذلك.. اخذ يفكر.. لا لا لن ادعه يمسكني.. اليوم سندرس الجزء الاخير.. من نشيد وطني فلسطين.. اليوم سأرافق ابي للصلاة في المسجد الكبير في القرية.. الشيخعلي وعدني ان يحكي لي قصة نبي الله يونس.. اليوم سأنال نصيبي.. من السكاكر التي احضرها جدي معه.. بعد ان عاد حاجاً.. الصغير يفكر وخطواته تزداد بطئاً كلما زادت خطوات الطاغية اتساعاً.. الاحجار واغصان الزيتون.. المتكسرة.. منتشرة على الطريق.. فيها يتعثر الصغير.. يسقط.. وتسقط حقيبته يمد يده ليتناولها هو يمدها.. لهدف اهم.. يمدها.. ليلتقط حجراً.. الحجر.. هنا عتاده الوحيد يجد.. الطاغية.. واقفاً امامه.. رفع الصغير رأسه.. نظراته ذاتها غرسها من جديد محرقة في عيني الطاغية بينما كان الرشاش موجهاً لرأسه.. لحظات.. الطاغية يبتسم.. حين يتذكر رجمات الاحجار.. التي تلقاها سابقاً من هذا الصغير ورفاقه.. وقتها.. ملئ انتقاماً.. تمنى ان ينال منهم.. لكنهم ابطال صغار.. هو اضعف من ان يقاومهم.. فلم يستطع.. بمحاولاته الفاشلة تصويب مسدسه لهم.. الصغير.. رب انهم لا يعجزونك.. الطاغية يضحك حد القهقهة ومع ضحكاته.. ترتفع اصوات انفاسه المقرفه وهي تحمل كل الانتقام.. لحظات.. صمت الصغير يترقب مصيره المجهول.. الطاغية يعيش الان نشوة الانتصار.. واي انتصار يجده هذا الحقير حين يكون خصمه طفلاً على موعد مع نهاية سنته التاسعة.. هكذا هو انتصار الجبناء.. لحظات.. صمت.. تلاها صوت.. طلقة واحدة.. هي طلقة واحدة قضت على كل الامنيات.. الصغيرة.. وخلفت اماً ثكلى وروحاً طاهرة.. لطفل كان ذنبه الوحيد ان عينيه قالت كلمات.. ابلغ من عبارات المنابر.. طير جديد من طيور الجنة.. رفرفت روحه.. هي طلقة واحدة.. اخرجت حمائم القرية فزعة من اعشاشها.. ودعت سكان قرية بيت حانون للخروج من انصاف البيوت ليلتفوا.. حول جسده علت بعدها زغاريد النساء.. وتكبيرات الشيوخ.. خرجت والدته من بين الجموع لتهوي على جسده الصامت.. جده يخرج حاملاً السكاكر.. التي لم يتذوقها حفيده.. ينثرها عالياً.. في السماء تتعلق هناك للحظات.. مثل ما فعلت روح الصغير.. تتساقط بعدها لتتلون بدماء امتزجت بتراب الارض.. توقفت انفاس الصغير لتبدأ من عند آخر شهقة منه مئات الشهقات.. الطاغية مازال واقفاً.. استدار بعدها بكل الجبروت.. واسند رشاشه لكتفه وسار.. قطرات الدم العالقة بحذائه.. ترسم بقعاً عشوائية على الارض.. هي ايضاً تثير غضبه.. دماء الصغير تكمل المشوار.. وتحيل الطاغية لكتلة من غضب.. للمرة الثانية.. تطفئ فيه نشوة الانتصار.. دماء الصغير.. تسير معه وكأنها تخبره انه لا مفر.. ان لم تكن اجسادنا هناك.. فقطرات من دمائنا.. تفي بالغرض.. ستستحيل في عيونكم حجارة من سجيل.. وحين تبحثون في احلامكم عن بقع ورديه.. ستكون دماؤنا الحمراء هناك لتخبركم اننا لا نحب الخنوع.. وان موتنا امتداد لحياتنا بعيداً عنكم.. دماؤنا هنا. هي ايضاً تصرخ:
ربِ انهم لا يعجزونك
|