تحقيق : وهيب الوهيبي
من الأمور التي تشق على المرأة عند خروجها الى الاسواق هو شراء احتياجاتها الخاصة من المستلزمات والملابس حيث يمنعها خجلها وحشمتها من ان تطلبها من الباعة الرجال.«الجزيرة»..
في هذا التحقيق تطرح فكرة تخصيص بائعات في الاسواق لبيع المستلزمات النسائية بدلاً من الرجال، حيث عرضت الفكرة على بعض المسؤولين وأساتذة الجامعات وكذلك النساء لمعرفة آرائهم ومقترحاتهم التي جاءت من خلال التحقيق التالي:
خطوة موفقة
في البداية يقول الدكتور محمد بن خالد الفاضل الأستاذ بجامعة الامام وجامعة الأمير سلطان بالرياض ان ما يطرح بين حين وآخر من وجود بائعين رجال في الاسواق التجارية الكبرى يبيعون مستلزمات النساء الخاصة تتبادل مع الرجل البائع الحديث والمناقشة حول هذه السلعة من حيث النوع واللون والمقاس وغير ذلك جعل الاصوات ترتفع بالمطالبة بأن يتولى بيع هذه المستلزمات عناصر نسائية وليس رجالاً. وهذا الاقتراح في الجملة جيد لكنه يحتاج الى بلورة وتعديل يجعله ينسجم مع خصوصية البلد وعاداته الحميدة وثوابته المجيدة. واني ارى لتحقيق ذلك ان تخصص الاسواق الكبيرة في جانب منها جناحاً مناسباً في الحجم للنساء ويكون هذا الجناح مغلقاً لا يبيع فيه الا نساء ولا يتسوق فيه الا نساء ولا يدخله الرجال الا خارج فترات العمل للصيانة والنظافة. ويتخصص هذا السوق في بيع اغراض النساء بكل حرية وراحة وخصوصية وهناك تجارب ناجحة لبعض الاسواق النسائية الكاملة وهذا الاقتراح في نظري سيحقق الغرض ويرفع الحرج عن كثير من العوائل والنساء اللاتي يرغبن في هذه الخصوصية ويكرهن الاختلاط بالرجال بأي شكل وصورة.
عون المرأة
وأوضح الشيخ الدكتور احمد بن عبدالله الباتلي الاستاذ بكلية اصول الدين بالرياض انه لا مانع من قيام بعض النساء بالبيع في الاسواق النسائية الخاصة اذا كن لا يختلطن بالرجال ولا يضيعن حقوقهن في القيام بواجبهن نحو الزوج والاولاد. وأضاف ان في هذا العمل عوناً لهن على كسب الرزق الحلال وشغلاً لأوقاتهن فيما ينفع، وهذا اولى من قيام بعضهن بالتسول او اشغال اوقاتهن بما لا خير فيه مستشهداً ببعض النساء اللاتي كن يبعن في الاسواق في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وأكد فضيلته ان المرأة عندما تخرج للسوق للضرورة فهي تحتاج لجو من الخصوصية ويتحقق ذلك في تخصيص سوق نسائي خاص بها دون اختلاط بالرجال فتتمكن المرأة من شراء ما يلزمها بحرية تامة دون محادثة الرجال او النظر اليهم، وتتمكن من معرفة ما يناسبها عندما تشتري ذلك في جو نسائي. ومما يدل على اهمية هذا الامر ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه خصَّ امرأة هي الشّفاء لتكون محتسبة على السوق وهذا يعني قيامها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وشدد الدكتور الباتلي على ان تحذر المرأة من كثرة الخروج الى الاسواق بلا حاجة او تكون متعطرة او متبرجة، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة ان تخرج الى المسجد وهي متعطرة فما بالك اذن اذا كان الغرض هو التسوق، موضحاً ان الاصل هو قرار المرأة في منزلها امتثالاً لقوله تعالى: {وّقّرًنّ فٌي بٍيٍوتٌكٍنَّ وّلا تّبّرَّجًنّ تّبّرٍَجّ الجّاهٌلٌيَّةٌ الأٍولّى"}.
سلبيات عديدة
وأكد الدكتور زيد بن محمد الرماني استاذ الاقتصاد وعضو جمعية الاقتصاد السعودية ان بيع الرجل لملابس النساء الخاصة بهن مثل الملابس الداخلية امر يحتوي على سلبيات عديدة مثل جرأة الرجل على الحديث مع النساء عن تفصيلات لا يحسن الحديث عنها من ناحية الحجم والشكل واللون والمقاس وما الى ذلك، الى جانب الشراء غير الرشيد من قبل المرأة نظراً لخجلها عن الافصاح عن رغباتها وطلباتها، ناهيك عن الإحراج الاجتماعي الذي يصيب الرجال عند مصاحبة نسائهم لتلك المحلات لشراء تلك الملابس الخاصة. وأبان الدكتور الرماني ان انشاء محلات بيع للنساء يشوبه الكثير من الصعوبات وتكتنفه الكثير من الاشكالات.
أولاً: من حيث القناعة بأهمية مثل تلك المحلات الخاصة وجدواها والثمرات المرجوة فعلياً منها.
ثانياً: من حيث القدرة على اكتساب تقنيات البيع والتسويق داخل وخارج السوق من قبل البائعات انفسهن.
ثالثاً: من حيث تخصيص محلات معينة للبيع النسوي مع السماح للرجال بالشراء منها او عدم السماح.
رابعاً: من حيث الالتزامات المترتبة على تلك المحلات سواء من ناحية اوقات الدوام او من ناحية تزويد المحلات بالبضائع.
خامساً: من حيث قدرة هذه المحلات على الاستقلالية الذاتية والخدمة النسوية النسوية، ناهيك عن محاذير أمنية عديدة ومشكلات لا اخلاقية معروفة ومساوئ اجتماعية مختلفة، مشيراً الى ان التجارب السابقة للاسواق النسائية في الغالب لم تكن مشجعة او على الاقل لها نسبة نجاح معقوله مقبولة، اذ غالباً ما كانت الاسعار في تلك الاسواق مرتفعة ونوعية السلع دون المطلوب، الى جانب ضياع الوقت الطويل المهدر في التسوق وأمور اخرى يعلمها رواد تلك الاسواق. وعليه فاني على قناعة تامة بأن المرأة تلاقي كثيراً من الاحراجات حين تشتري ملابسها الداخلية خاصة من باعة رجال، ومع يقيني بأهمية توفير البدائل المناسبة للمرأة من خلال أكشاك مخصصة داخل الاسواق العامة او خارجها او من خلال محلات بيع مستقلة موزعة على مناطق التجمهر والاكتظاظ السكاني او ما شابه ذلك، بيد اني اشير الى ان النساء اجناس والوان ولهن رغبات وطلبات متنوعة؛ مما يعني ان تلك الاسواق او المحلات النسائية ما لم تحقق تلك الرغبات او الطموحات وتوفر معظم الطلبات فلن يكون النجاح حليفها.
دعوة للاستثمار
من جانبه دعا الاستاذ عبدالرحمن بن علي الجريسي رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالرياض رجال الاعمال من المستثمرين في مشروعات إنشاء الاسواق ان يضعوا في خططهم الانشائية تخصيص اماكن للنساء تستطيع المرأة من خلالها ان تمارس خصوصيتها وحريتها والتعامل مع بائعات من جنسها يستطعن تلبية احتياجاتها دون حرج، مشيراً الى ان هناك العديد من التجارب الناجحة والجريئة التي نشاهدها بين فترة واخرى فيما يتعلق بالاسواق النسائية، حيث حققت مراعاة خصوصية المرأة وكيانها المستقل الذي دعانا ديننا الحنيف وشريعتنا الاسلامية للمحافظة عليها.
وأوضح الجريسي ان هناك تجارب على ارض الواقع في هذا الخصوص، حيث تتعامل البلديات مع اكثر من سوق نسائي في مدينة الرياض وهناك آليات عمل يتم التعامل من خلالها مع تلك الاسواق وفق ضوابط وشروط، متمنياً ان نرى في المستقبل القريب اقساماً نسائية في البلديات تقوم بالاشراف والمتابعة مع مراعاة ان تلتزم تلك الاسواق بقضية السعودة وهي هاجس الجميع ولاسيما ان الكثيرات من النساء يبحثن عن عمل، كذلك يجب ان تلتزم تلك الاسواق بكل ما من شأنه ان يحافظ على كرامة المرأة وبما يتفق مع تعاليم الاسلام.
تساؤل
ويطرح ناصر آل فرحان احد رجال الاعمال تساؤلاً وهو: لماذا لا يتم قصر بيع ملابس ومتعلقات النساء بشكل عام باستثناء الذهب والمعادن والمجوهرات والاحجار الكريمة على النساء الراغبات في العمل وتتاح الفرصة لهن للاستثمار وفتح محلات ومراكز والعمل من خلالها وفق نظم وشروط وضوابط تتفق مع تعاليم الشريعة الاسلامية ولا يسمح بدخول الرجال لهذه المحلات والمراكز مطلقاً، كما يتم الاخذ بعين الاعتبار ساعات العمل في هذه المحلات والمراكز كأن تفتح في التاسعة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً ومن الرابعة عصراً وحتى الثامنة مساء فقط، وتكون هذه المحلات والمراكز داخل المجمعات والاسواق الكبرى وعلى الطرقات العامة الرئيسية بالمدن، وتكون واجهتها مظللة او مغلقة، ويتم السماح للرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالاشراف المباشر على هذه الاسواق النسائية ومنح التراخيص، ففي هذا حفظ للاعراض وصون لكرامة المرأة واتاحة الفرصة للاستثمار لمن لديها المقدرة ولشغل الوقت بما يفيد ولاتاحة الفرصة لمن ترغب العمل الالتحاق بمثل هذه الاسواق الخاصة، ولا بأس من وجود محلات ومراكز يبيع فيها رجال شرط تحقيق سن الاربعين فما فوق خاصة في المدن والارياف والقرى التي لا يتوفر بها مجمعات واسواق كبرى، كما يتم قصر عمل المرأة على المرأة السعودية ولا يتم السماح باستقدام نساء وافدات مطلقا، وفي حالة عدم توفر السعوديات يستعان بالمقيمات المتزوجات فقط الراغبات في العمل، على ان يشترط وجود محرم ووكيل شرعي لمن ترغب في الاستثمار في هذا المجال ليقوم هذا المحرم او الوكيل الشرعي بشراء مستلزمات هذه المحلات والتفاوض وتوقيع العقود مع الموردين، ويقوم بأعمال النقل والتحميل والتنزيل نيابة عن صاحبة العمل، ولنأخذ فكرة مشاغل الخياطة النسائية بعين الاعتبار ولنقيّم تجربتها ونعالج سلبياتها ونقومها وندعم ايجابياتها ونشجعها.
مضايقة
كما تحدث ل«الجزيرة» عدد من النساء اللاتي أيدن هذه الفكرة، حيث تقول في البداية ام نورة «معلمة في المرحلة الابتدائية» اولاً اشكركم على طرح مثل هذه الموضوعات المهمة التي نحتاج اليها نحن النساء كثيراً، فمن اشد ما يضايقنا ويحزننا عند الذهاب للسوق هو شراء ما يخصنا من الملابس حيث الباعة الرجال فلا نستطيع مخاطبتهم عند اختيار الملابس وما يناسبنا من مقاسات والوان وغير ذلك فلماذا لا يكون في كل سوق بعض المحلات التي تبيع فيها المرأة وفق ضوابط محددة بحيث نشعر فيها بالامن والحرية التامة وأنا أؤكد لكم من خلال هذا المنبر نجاح مثل هذه الفكرة، واعتقد ان كثيراً من النساء يوافقنني على ذلك فهل نرى تجاوباً ملموساً من الامانات في انشاء مثل هذه المحلات في القريب العاجل.
تجارب ناجحة
وتضيف سارة محمد ان بعض الدول الخليجية الشقيقة لها تجارب ناجحة في مزاولة النساء للبيع فيما يخص المرأة من مستلزمات وكان لها النجاح فلماذا لا نحاول تطبيقها هنا في بلادنا تحت اشراف جهات امنية وهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتقول ام عبدالرحمن «ربة بيت» انه طال الانتظار كثيراً لتبني مثل هذه الافكار الجيدة التي اتمنى ان ترى النور قريباً، فالمرأة البائعة هي أجدى وأولى من الباعة الرجال، خصوصاً فيما يتعلق بالملابس الداخلية حيث الخصوصية والحرية في البيع والشراء.
|