شهدت الساحة الإعلامية ولا تزال حملة إعلامية شرسة ضد مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية، واستغلت تلك الحملات الأحداث المؤسفة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وحاولت إلصاق تهمة هذه الأحداث التي لا يقرها إنسان عاقل إلى مناهج التعليم في المملكة مُدَّعية انها تربي على العنف بل إنها تفرِّخ الإرهاب وتحث عليه.
وفي ظل هذه الحملات المعادية الظالمة يجيء هذا الكتاب ليناقش في موضوعية وبهدوء السر الكامن وراء تلك الحملات الموجهة ضد المناهج الدراسية، ويستقصي أبعادها وليبيِّن هل هي وليدة اليوم أم أن لها جذوراً بعيدة في التاريخ؟
كما يناقش الكتاب من غير انفعالات التهم الموجهة إلى المناهج الدراسية للمملكة ليثبت بالدليل الواقعي بطلان كل إدعاء وبُهتان كل تهمة، ليصل في النهاية إلى بيان حقيقة مناهجنا الدراسية وما تسعى نحو تعليمه للأبناء وغرسه في نفوسهم منذ الصغر من سلوك الخير بما تحمله كلمة الخير من معان وأبعاد تضمن حرص الإنسان على كل فعل بنَّاء وإيجابي يتحلّى فيه بالتوسُّط والرفق ولين الجانب والتعاون والحلم والصفح والمحافظة على السلم والأمن وحفظ الحقوق وإنصاف المظلوم ونجدة المستغيث.
ولتحقيق أهداف هذا الكتاب فقد جاء في ثلاثة فصول تتكامل مع طرح ومناقشة القضايا التي تضمَّنها الكتاب في تسلسل منطقي حيث تناول الفصل الأول تحت عنوان «لماذا التعليم؟» أهمية التعليم وضرورته في بناء الدول وإعداد أبنائها ليكونوا قادرين على المشاركة في عمليات التنمية وصناعة قوة الدولة والتمكين لها بين الدول الأخرى.
ويسوق الكتاب في هذا الفصل أمثلة معاصرة على ما أحدثته برامج ومناهج التعليم المتطورة من آثار في بناء كثير من الدول وإحرازها التقدم في المجالات الاقتصادية والتقنية والعسكرية وفي معالجة المشكلات التي تعرضت لها تلك الدول، وتعرّض الكتاب في هذا المجال لتجارب الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان، ثم استعرض أثر التعليم فيما تبوَّأه المسلمون من مكانة في عصور الإسلام الأولى حيث اهتموا بالعلوم ووصلوا في الطب والجراحة وعلم الأدوية والفلك والرياضيات وغيرها إلى مراتب جعلتهم في منزلة المعلمين حتى أن أثر المسلمين في النهضة العلمية بالغرب لا يمكن أن ينكره إلا كل مكابر أو متعصب أو جاهل.
وقد ضرب الكتاب المثل في مكانة التعليم وقدرته على البناء والتطوير بما حرص عليه الملك عبدالعزيز رحمه الله عند إقامة دعائم المملكة على أن يجعل التعليم سلاحاً لا يقهر في بناء الوطن باعتبار أن الثروة الحقيقية لأي أمة تتمثل في أبنائها المتعلمين القادرين على بناء وطنهم وأنفسهم وتنميته في جميع الميادين، ولهذا جاء بناء هذا الوطن قوياً شامخاً لتأسيسه على دعائم الإيمان والعلم.
ومن منطلق أهمية التعليم في بناء الدولة تكون الحملات المعادية الموجّهة ضد التعليم موجهة بصفة خاصة نحو عوامل قوة الدولة، ولهذا يجيء الفصل الثاني من هذا الكتاب ليناقش جذور وتاريخ الحملات الشرسة التي يتعرض لها التعليم في المملكة بصفتها قلب الإسلام ومهبط الرسالة الخالدة، ولذلك فان محاولات النيل من التعليم فيها تجيء محاولة يائسة للنيل من المنهج الإسلامي في التعليم.
لذلك يسعى أعداء الإسلام نحو إبعاد التربية الإسلامية عن مناهج التعليم، ويمتد هذا المسعى في جذور التاريخ حيث يقدم الكتاب أمثلة على ذلك من بعض بلدان العالم الإسلامي العربي فيذكر لنا ما قاله «جلادستون» رئيس وزراء بريطانيا أمام مجلس العموم البريطاني وهو يشير إلى المصحف الشريف قائلا «طالما هذا الكتاب في أيدي المصريين فلن يقرَّ لنا قرار في تلك البلاد»، ولذا أخذت بريطانيا تعمل على محاربة التعليم الديني في مصر لإبعاد المتعلمين عن الإسلام وتغذيتهم بالأفكار التي تناقش مفاهيمه وتعاليمه الصحيحة لولا وقفة الأزهر المعروفة في مصر ضد هذه المساعي الخبيثة.
ويسوق الكتاب مثالا آخر من الخليج العربي حيث حاولت الدول الاستعمارية السيطرة على التعليم ومناهجه فسعت إلى أن تجعل في أيديها أمور التعليم بمناهجه ومعلميه ومستشاريه وعمدت نحو تحجيم المناهج ذات الأثر في تربية الروح الوطنية في هذه المنطقة.
ويذكر الكتاب نموذجاً على تلك المحاولات المستميتة لبريطانيا لتغيير كتب التاريخ في كل من الكويت والبحرين بما يحقق أهدافها وكيف وقف كل من الشيخ أحمد الجابر الصباح والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بكل قوة في مواجهة تلك المساعي المحمومة لتغيير المناهج الوطنية.
وفي المقابل يتعرض الكتاب للتربية في اسرائيل موضحاً بالدليل كيف تسعى لخدمة عقيدتها المزيفة وتعمل بإصرار لتنشئة أجيال معادية للعرب وتنظر إليهم على أنهم قوم لا يستحقون الحياة، وكيف تسلح التربية في اسرائيل أبناءها بسلوك المكر والخديعة وتعدهم للحرب والقتال والعدوان وفي نفس الوقت تسلحهم بأحدث ما وصلت إليه التقنية الحديثة.
ولذلك يخلص هذا الفصل إلى أن جذور الحملات المعادية لمناهجها الدراسية هي ممتدة في التاريخ، وأن هذه الحملات تستغل كافة الوسائل والإمكانات لإبعاد المسلمين عن تربيتهم الإسلامية وإقصائهم عن تنشئة أبنائهم في ظلها، فإذا ما فشلت هذه المحاولات اليائسة فإنها تتخذ وسائل وأساليب متعددة تكيل بها التهم للمناهج الدراسية التي هي بريئة من دعاواهم الباطلة وصامدة في مواجهة أكاذيبهم المزعومة.
ويأتي الفصل الثالث من الكتاب ليتناول واقع مناهج التعليم في المملكة، فيتعرض للسياسة التعليمية بصفتها تحدد الخطوط العامة التي تقوم عليها عملية التربية والتعليم حيث حددت غاية التعليم في المملكة «بفهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة وتطوير المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتهيئة الفرد ليكون عضواً نافعاً في بناء مجتمعه».
ومن هذا المنطلق جاءت أهداف التعليم في المملكة في كافة مراحله، كما جاءت خططها الدراسية ومناهجها لتحقق هذه الغاية التي حددتها سياسة التعليم.
ويورد الكتاب أبرز الأهداف التي تحرص عليها المناهج الدراسية وكذلك المواقف التي تضمنتها السياسة التعليمية وتحتاج إلى مراجعة بفعل التطور الذي شهده التعليم في المملكة حيث انطلق نحو تحقيق العديد من التطورات والقفزات التي أوجدت موقفاً حديثاً يتطلب إعادة النظر في بعض ما نصت عليه سياسة التعليم من إجرائيات ليظل لها طموحها ومكانتها في تحديد الأسس العامة والأهداف والغايات والمبادئ.
ويتعرض هذا الفصل لحقيقة الهجوم على المناهج واشتدادها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م والنقاط التي تثيرها وتركز عليها في حملتها المسمومة وبصفة خاصة تركيزها على مقررات التربية الدينية التي لا يخفى على أحد مكانتها في المناهج الدراسية بالمملكة التي تعلِّم أبناءها وفقاً لها لما تمثله هذه المقررات من أدوات للتنشئة السوية في ظل تعاليم الإسلامي وأحكامه، ذلك الدين القيم الذي تدين به المملكة عقيدة وحكماً ونظاماً متكاملاً للحياة.
ويوجز هذا الفصل الاتهامات التي تدور حولها الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المناهج الدراسية بالمملكة ويتناولها بالتحليل الموضوعي ليرد عليها من خلال المناقشة المتأنية، ومن خلال ما تدعيه تلك الحملات مُفنِّداً دعاواها في كل اتهام.حيث تناول ما تثيره الدعاية المغرضة من تهم باطلة تدعي فيها زوراً بأن مناهجنا تربي أبناءنا على العنف والتطرف والعدوان مما جعل مدارس المملكة مكاناً لتفريخ الإرهابيين. وهنا ينبري الكتاب من غير انفعالات لتوضيح الحقائق ليثبت من واقع المناهج والمقررات، وما تستند عليه من أسس ومبادئ براءة التعليم في المملكة بمناهجه ومقرراته من تلك الاتهامات البغيضة التي لا تحركها إلا قلوب مريضة حاقدة على الإسلام وأهله أو جاهلة بحقائقه المضيئة.
وقد اقتبس الكتاب من هدي القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يعزز دفاعه ويقوي حجته في الرد على تلك الاتهامات الباطلة، كما استعان الكتاب بأقوال كبار السياسيين في الغرب لتفنيد مزاعم تلك الحملات وبيان بطلانها وزورها.
ويخلص الكتاب إلى أن الهجمة الشرسة التي تعرضت وتتعرض لها المناهج الدراسية ليست في أساسها موجهة إلى المناهج بقدر ما هي موجهة للإسلام وتعاليمه السمحاء، وذلك في إطار خطة محمومة يقوم بها الإعلام الصهيوني ضد الإسلام وأهله وضد المملكة العربية السعودية وذلك لما تمثله المملكة من تطبيق حي وواقعي لما جاء به الإسلام بحكم مكانتها في العالم الإسلامي وقيامها على خدمة المقدسات الإسلامية.
ويؤكد الكتاب أن مكانة ومتانة الدين في نفوس المسلمين أقوى من أن تناله سهام مسمومة أو دعاية حاقدة تحاول النيل منه أو زعزعته في النفوس، غير أن الواجب يقتضي مجابهة هذه الحملات والرد عليها بموضوعية لبيان بطلانها وكذبها وزيفها.
|