باتت «درة العروس» معلماً هاماً في بنية السياحة الداخلية، وإضافةً حضاريةً جميلة لدرة المدن السعودية جدة، ول«درة العروس» نصيب من اسمها، فهي بحق منظومة سياحية متكاملة، يتعانق من خلالها البحر والصحراء ليشكّلا متنفساً رائعاً للباحث عن الراحة، هَرباً من صخب المدن ووصبها!
وقد زرتُ «درة العروس» أولَ مرة قبل افتتاحها رسمياً منذ بضْع سنوات، برفقة الصديق الأديب الدكتور أنور الجبرتي، ونظّمتْ لنا يومئذٍ إدارة المشروع مشكورةً جولة طويلة دامت أكثر من ساعتين، زُرنا خلالها كلَّ القطاعات الرئيسية للمشروع، مساكنَ وتجهيزاتٍ ومرافقَ خدمات، وخرجنا بانطباع جميل عن المشروع الذي صُمِّم ليرضي تطلّعات ورغبات شرائحَ متباينة من المجتمع السعودي.
ثم توالتْ زياراتي للمشروع عَبرْ السنوات التي تلتْ افتتاحَه، فألفيتهُ ينمو ويزداد تألقاً، وهذه سمةُ النجاح الذي لا يقف صاحبه عند حدّ ابتغاء التفوّق وطمعاً فيما هو أفْضل. وهو ما نرجوه لهذا المشروع، ويرجوه كلُّ من يهمّه أمرُ السياحة الداخلية في المملكة.
بقيت لي بضْعُ ملاحظات أود إهداءها إلى السادة المعنيين بأمر «درة العروس»، وهي نابعة من تقديري للجهد الاستثماري الضخم الذي بُذِلَ في هذا السبيل، ومن الغيرة الصادقة في أن يتوالى نموُّ هذا المنجز الحضاري بحثاً عن التميّز الدائم، وإرضاءً لرغبات المالكين فيه والمرتادين له على حد سواء، فأقول:
أولاً: أتمنّى على إدارة المشروع أن تولي اهتماماً أكبر لاحتياجات الأسرة السعودية سياحياً، ويمكنها الاستعانة لهذا الغرض بأخصائيين في علوم النفس والاجتماع والاقتصاد لإشباع هذا الهاجس بحثاً واستنتاجاً. وستساعد نتائج هذا البحث في تحسين خدماتها، وتطوير مرافقها لخدمة الأسرة السعودية.
ثانياً: وتعزيزاً للملاحظة السابقة، أرى أن تقوم إدارة المشروع بإعداد استبانات دقيقة توزّع كل عام أو عامين على عينة عشوائية من العائلات التي ترتاد الدرة للتعرّف على مواقفها وآرائها واقتراحاتها حيال المشروع بوجه عام وغير ذلك مما يحسنُ معرفته في هذا السبيل. وستكون نتائج هذا الاستفتاء رديفاً هاماً للدراسة المقترحة في البند «1» أعلاه.
ثالثاً: أعتقد أن «الطفل» يحتاج إلى لفتة اهتمام أعمقَ وأدقّ من لدن «درة العروس»، تلبي احتياجه، حركياً وفكرياً، أما الاعتقاد بأن اصطحاب أسرة الطفل له في زياراتها للدرة مؤشر كافٍ لإرضائه فهو قول غير دقيق في أحسن أحواله، وغير موفّق في أسوئها، فللطفل احتياجاتٌ تميزه عمّن سواه، وهذه بديهية لا تحتاج إلى حجة ولا دليل. الطفلُ يحتاج إلى المزيد من مرافق الترويح تمتص نشاطه، وتشبع هواياته، وتستفز مواهبه، وتنمي قدراته العقلية والنفسية هذا في تقديري يمنح الترويح إضافة تربوية هامة جداً.
وبمعنى آخر، أرى أن الاهتمام باحتياجات الطفل السائح، جزء لا يتجزأ من «معادلة الجذب» السياحي للمشروع، لأن السواد الأعظم من الأسر تبني قرارها لزيارة هذا المعلم السياحي أو ذاك، أو هذه المدينة أو تلك على مدى وجود عناصر جذب لاحتياجات طفلها، حركياً وترفيهياً ونفسياً، وأعتقد أن إخضاع هذه الفرضية للبحث الميداني سيفرز تأييداً لها.
رابعاً: ما التقيتُ بمالكٍ في مشروع «درة العروس» إلاّ كانت له شكوى من نوع أو آخر، تتباين حجْماً وموضوعاً، وأكثرهم يكادون يجْمعون على النقاط التالية:
أ يريدون اهتماماً أكثر بموضوع الصيانة، سواءً في الاستجابة السريعة للطلب، أو المهارة والدقة في التنفيذ، وهذا مطلبٌ عادل وهام، والتسويف فيه أو التقصير سيؤثّر سلباً على مصداقية الإدارة وكفاءتها في نظر الآخرين.
ب إعادة النظر في رسوم بعض الخدمات، وخاصةً الكهرباء والماء، حيث يرى الكثيرون غلواً غير مبرّر في تلك الرسوم، ويزدادُ غيظُ بعض المالكين حين يُكلَّف أحدهم بدفْع رسم عالٍ لخدمة الكهرباء عن فترة لم يستخدم خلالها مرفقه السكني، ولن أخوض أكثر في تفصيلات هذا الموضوع، فأهل الاختصاص به والمستفيديون منه أدرى مني وأوْلى ببحثه، وهو أمر يستحق البحَث قطعاً لدابر الشكوى.
خامساً: أتمنَّى على إدارة الدرة بذلَ مزيدٍ من الاهتمام بالجانب الثقافي فيها، كأن تكون هناك مكتبة مرئية وصوتية، تلبي احتياج الراغبين في محتوياتها.
سادساً: هل يمكن النظر في تخصيص جزء من منطقة الخدمات في المدينة السياحية لتقديم نماذج من الوجبات الشعبية المعروفة في بعض مدن المملكة وأعتقد أن هذه مسألة تستحق التأمل.
ختاماً، أرجو لهذا المعلم الجميل في عروس البحر الأحمر مزيداً من التألق والنجاح.
|