على مر التاريخ ارتبط الإنسان بالفن وأصبح جزءاً مهماً من حياته عبر العديد من الرسومات والتصوير الذي وجد داخل الكهوف والبيوت الحجرية التي ما زالت أثارها باقية إلى وقتنا الحاضر..
ومع مرور الوقت تطور إلى أن أصبح يمثل احدى القيم الحضارية التي تدل على البروز والتميز لمجتمع معين أو أمة من الأمم، هذا ما نشاهده في تلك الجوامع والقصور التي جسدت رقي الحضارة الإسلامية فتلك الزخارف والنقوش تعبر عن قدرات إبداعية جمالية تولدت لدى الفنان المسلم فصنع ما يبهر الأنظار ويسحر العقل على الدقة والتنظيم ولكن كيف جاءت وتولدت تلك القدرات الإبداعية؟
لقد كانت حصيلة التعلم ونقل الخبرة التي تم تطويعها وفق منظور فن إسلامي بحت جعلته متميزا عن غيره ومتفوقاً عليه.
ونسأل لماذا الفن يمثل عنصراً أساسياً في حياة الإنسان؟ سؤال تكمن إجابته في انه يعبر عن الجمال الذي أصبحنا في حاضرنا نبحث عنه بشراهة في كل لحظة من حياتنا من خلال الملبس أو المسكن الذي نعيش فيه وحتى المدينة التي نقيم بها وهنا يبرز مدى الاهتمام الذي نعطيه لهذا الفن فتجد أن هناك تفاوتا في التقدير لأهميته وهذا راجع إلى مدى درجة الوعي المرتبطة بالتعلم الذي يصقل ويهذب وينظم طريقة التعرف على القيم الجمالية بشكل مدروس فإذا كان هناك إخفاق وعدم اهتمام به فانه سوف يظل محصوراً في دائرة ضيقة مبنية فقط على أن الفن ليس إلا ممارسة شكلية تدور داخل أروقة المدرسة تقوم على ورقة ولون ليس إلا، وهذا هو الغالب في واقعنا ومدارسنا التي تأثرت بحصيلة الأفكار التي تكونت لدى الجيل السابق وراح ينقل كل سلبية عن الفن مما جعله غير جدير بالاهتمام .
يضاف إليه الضعف الذي يواجه من خلال العرض أو الممارسة وهذا أدى إلى أن يكون هدفاً للنقد المتكرر بل يقال انه مضيعة للوقت، نسمع من يقترح ان يحذف ويستعاض عنه بمواد أخرى فلا أدري كيف نعلم أبناءنا القيم الجمالية ونكتشف الموهوبين منهم؟
وإذا أردنا معرفة مدى ما يمثله الفن من أثر على اكتشاف الحس الجمالي لدى الإنسان فلنعد إلى الوراء قليلا بحيث لم يكن هناك مدارس أو معاهد أو حتى كليات تقوم بتدريسه وتحديداً في العصر الأموي أو العباسي أو الأندلسي فلقد برز العديد من الشعراء الذين انغمسوا في الوصف الذي يعطي صورة واضحة ودقيقة عن ما يوصف فما الذي ساعد على تولد تلك المخيلة الإبداعية.
لقد كان الترحال والتنقل هو العنصر الذي يفجر هذه القدرات حيث يقوم الشاعر بوصف ما يقابله من أماكن ومعالم معبراً بلوحة شعرية جميلة تغوص في عمق المكان وتفصل معالمه،
فهناك وصف لنهر وجبل وسهل وشجر رسمت بالكلمة أعطت متذوقها الحس الجمالي وغدت صورة ماثلة أمامه، فكان التصوير اللغوي هو الوسيلة الوحيدة والمعبرة التي جسدت جمال الطبيعة الذي نفتقده اليوم في تعليمنا عموماً. فعندما انحصر الطالب بين الجدران وانغلق في غرف التعلم ماتت روح التخيل لديه وأصبح الشعر لدينا في دائرة اقتباس الألفاظ والتبعية والتقليد. فلقد تعطل العامل الذي يشعل العقل ويبحر به في عالم التخيل وهذا ينطبق تماما على واقع الفن.
فمتى دفنت فكرة التعرف على مواطن الجمال في هذه الحياة بالنسبة للطالب فانه سوف يفقد الكثير الذي سوف ينعكس عليه سلباً في تعامله مع محيطه يضاف إلى ذلك قتل روح الإبداع لديه
فأرجو أن نتحرر من المفهوم الضيق لواقع التربية الفنية في مدارسنا ونعرف انها ذات هدف أشمل فهي تسعى بشكل أساسي إلى تنمية الذوق والحس بقيمة العمل اليدوي الذي يقضي على الفراغ في شيء مفيد ونافع ويجعل من الطالب أو غيره عضوا فعالا ومنتجا.
لذلك على تلك الأصوات التي تنادي بوأد الفن في داخل مدارسنا والاستعاضة عنه بمواد أخرى أو حصره في جانب ضيق أن تعي حقيقة وهي أن المادة المعطاة للطالب من خلال التربية الفنية لم توضع من أجل أن يقوم الطالب بالرسم على ورق فقط بل أن هناك نظرة أعم غابت عن ذلك المنادي بوأدها وهي أن الطالب يتعرف على أساسيات وقواعد تساعده على الرقي في مظهره ومسكنه وكل ما حوله، هذه حقيقة الفن.
|