المظاهرات التي عمت العالم، والتي كانت تحمل رسالة قوية وذات زخم شعبي حاد ضد الحرب على العراق، خلخلت تماما نظرية المؤامرة وجميع محاولات من كان يعطي الحرب على الإرهاب أو الحرب التي تقودها الالية العسكرية الامريكية «طابعا عقائدياً» يتصل بثارات تاريخية قديمة، فزلة اللسان التي ظهرت في خطاب الرئيس الامريكي بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي جعلت الحرب على الارهاب هي امتداد للحروب الصليبية وكانت تعكس وجهة نظر اليمين الأمريكي المتطرف والذي مابرح يقرع طبول الحرب إلى اليوم، وتعكس أيضا وجهة نظر التيارات الإسلامية المتعصبة والمتزمتة والتي تصرُّ على جعل المواجهة بين الشرق والغرب مواجهة عقائدية عنيفة.
ولا أدري ماهي وجهة نظر تلك التيارات وهي ترى شوارع أوروبا «المعقل الأول للمسيحية» تغص بملايين المتظاهرين الرافضين ضرب العراق لأولويات إنسانية بحتة ولأسباب رافضة المزيد من الدمار للشعب العراقي المنكوب الذي لاحول له ولا قوة.
العجيب أنَّ أنصار الحروب والدمار«وهم كُثر عبر التاريخ» يتوسلون اقرب الأردية التي تخفي ميولهم الامبريالية العسكرية ويحاولون ان يتوسلوا نظريات مبررة ومسوغة قابلة للتداول الشعبي وإضفاء صفة البطولة والعظمة عليهم.
الامبراطوريات العظمى عبر التاريخ تميل للتوسع طمعاً في المزيد من السيطرة، وهذا التوسع بالتأكيد هو المسمار الأول في نعش انهيارها.
وقد نشر الصحفي الأمريكي «توماس فريدمان» صاحب الميول الصهيونية مقالا نشرته النيويورك تايمزرؤية جديدة عن هذا الموضوع فقال: «الآن فجرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الحرب العالمية الثالثة، والنظام العالمي الجديد هو ايضا ثنائي لكن بدلاً من أن يقسِّم العالم إلى شرق وغرب قسمه إلى عالم النظام وعالم الفوضى ويقوم عالم النظام على اربع أعمدة هي الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي روسيا والهند والصين بالاضافة إلى كل القوى الصغيرة التي تدورحول هذه الأعمدة، ويتكون عالم الفوضى من دول فاشلة مثل ليبيريا ودول حمراء مثل العراق وكوريا الشمالية ودول غير مرتبة أكبر من أن تفشل لكن غير مرتبة مثل باكستان وكولومبيا والعديد من الدول العربية». هذا هو الطرح أو التقسيم الجديد للعالم من وجهة نظر أمريكية.
إذاً مظاهرات اوروبا أسقطت المواجهات العقائدية وصراع الحضارات، ولكن استبدل بتقسيم من نوع آخر يحل الفراغ الذي تلى سقوط تلك النظرية.
على كل حال التقسيم الجديد يأخذ نفس النمطية السابقة من خلال جعل هناك محاور حضارة وتفوق ونظام، ومحور اخر من التخلف والفوضى، لابد ان يبقى خاضعا للنظام الأول وسيطرته وبالتالي تمتلك الآلية العسكرية للأمبراطورية الامريكية المسوغات للتوسع والهيمنة ونشر البوارج في البحار والقواعد العسكرية في كل مكان وإسقاط الأنظمة واستبدالها وتغيير الحدود بالشكل الذي يروق لها
|