لايزال كثير من الناس يشغلون أنفسهم بآراء المحللين السياسيين في الأحداث التي تجري، ويقضون معظم أوقاتهم أمام برامج الأخبار المختلفة التي تتبارى فيها القنوات الفضائية الغربية والعربية، يستمعون إلى آراء خبراء السياسة كباراً وصغاراً كفاراً ومسلمين، متعصبين ومعتدلين، جمهوريين وديمقراطيين، علمانيين وإسلاميين، ثم يتناقلون ما سمعوه عبر هذه القنوات وبرامجها في مجالسهم، التي تتحول - غالباً - إلى جدالٍ سياسي يجرِّب فيه المتحاورون مدى قدرتهم على استيعاب ما سمعوه وما شاهدوه، وتتعالى الأصوات في بعض المجالس كما تتعالى أصوات «المتجادلين المتخاصمين المتصارخين» في بعض برامج الاثارة التي يخرج منها المشاهد بأشياء كثيرة ليس من بينها الوعي الثقافي أو السياسي النافع. هذه في حد ذاتها - مشكلة من مشكلاتنا -، وهي مشكلة محيرة تحتاج إلى توعية إسلامية صحيحة بكيفية التعامل مع الأحداث والأخبار تعاملاً موضوعياً قائماً على الرؤية الإسلامية المنبثقة من البصيرة النيرة التي لا تنخدع بآراء من نتفق أو نختلف معهم من أصحاب الحرفة الإعلامية، والمهنة الاخبارية، والاستعراض للرأي الشخصي أو الحزبي بعيداً عن ادراك أبعاد سنن الله الكونية في الوجود.
إن التقرير الاخباري الذي تبثه وكالة من وكالات الأنباء، أو تعرضه شاشة من شاشات القنوات الفضائية، أو تذيعه إذاعة من الاذاعات، أو نتشره صحيفة من الصحف، إنما يحمل رؤية وقناعة الجهة التي تبثه أو تعرضه أو تنقله أو تنشره، وهو لا يُعرض إلا وقد حمل وجهة نظر ناقله ودارسه وكاتبه، ولأن معظم وكالات الأنباء في الغرب خاضعة للرؤية الصهيونية اليهودية، أو النصرانية الصهيونية، فإن معظم ما نتشره من أخبار الأحداث، وتقريرات المحللين السياسيين وغير السياسيين إنما ينبثق من رؤيتها، ويؤكد ويوصِّل إلى العالم بعامةٍ، وإلينا نحن المسلمين بخاصة رسالة مدروسة الأثر قبل أن يتم بثها.
هذه حقيقة يجب أن ندركها إداركاً واعياً نستطيع به أن نتابع الأخبار ونعرف ما يجري من الأحداث، ونتفاعل معها، ولكن بعيداً عن تبني آراء واتجاهات الآخرين، حتى لا نضيف إلى مآسي أمتنا مثلها، وحتى لا ننشر بيننا أفكار وآراء واتجاهات أعدائنا ونحن لا نشعر، لأننا إذا ظللنا تحت سيطرة تقريرات الأخبار، وتحليلات خبراء السياسة في العالم، سنكون كمن يعصب عينيه ويسير ظاناً أنه سيصل إلى الهدف.
نعم، ربما يصل، ولكنه سيرى نفسه قد وصل إلى هدف عدوه وليس إلى هدفه.
الأحداث في هذا الوقت عاصفة، والمؤامرة على الإسلام والمسلمين واضحة تماماً، ومع ذلك ما نزال نرى الكثير من المسلمين يتعاركون - بالآراء - حول قضايا جانبية صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ وما ذلك إلا بسبب هذا التِّيه الإعلامي، الذي يقودنا إلى صحراء الأفكار والآراء المجدبة التي لا تحفظ ماءً ولا تنبت كلأً، وإنما هي أجادب تغتال من سلكوها، وتطمرهم برمال الوهم والضياع. ما نزال نرى كثيراً من المثقفين، أو الذين يظهر أنهم مثقفون في عالمنا الإسلامي يتجادلون حول مسائل معلومة من الدين الإسلامي بالضرورة، تتعلق بحجاب المرأة، وادخال القنوات الفضائية إلى المنازل، والتمثيل، والغناء، وحرية المثقف والأديب، وغير ذلك من الأمور التي لا يصح للمسلم الواعي أن يضطرب فيها لأن ديننا - ولله الحمد - محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وهو يرشدنا إلى ترك كل ما يُسيء إلى الخلق الحسن، ويدنس براءة الفطرة السليمة، ويشوش الذهن، ويعرض على الناس ما يناقض الحياء، ويهدم حصن العفاف، ويمنع الانسان من كل دعوى باطلة لحريةٍ زائفة تدعو إلى تجاوز حدود ما شرع الله سبحانه وتعالى لصلاح العباد والبلاد بحجة تحقيق الحرية المزعومة.
الشرع الإسلامي واضح، ولا يجوز لنا نحن المسلمين في كل زمانٍ ومكان، وفي هذا الوقت العصيب أن نتوقَّف عند هذه المسائل توقُّف التردُّد والحيرة، بل يجب أن نكون على مستوى مسؤولية الرضا الكامل بما شرع الله سبحانه وتعالى، حتى نستطيع أن نواجه هذه المؤمرات الضخمة.
القضية - أيها الأحبة - تتعلَّق بكيان الإسلام والمسلمين وليس بأمورٍ جانبية يتعمد خبراء تضليل العقول في العالم الغربي عرضها، والقاءها في طرقاتنا حتى ننشغل بها عن القضية الكبرى التي تتعلق بمخططات الأعداء لاجتثاث أمتنا من الأعماق. من الإساءة إلى الأمة أن تتردد امرأة مسلمة في التسليم الكامل لأمر الله بالحجاب والحشمة فضلاً عن أن تجادل في ذلك وتناقش. ومن الإساءة إلى الأمة أن يتردد أديب مسلم في الالتزام بالخلق النبيل، والكلمة العفيفة، والصورة الفنية النقية في أدبه، فضلاً عن أن يجادل في ذلك. ولنا أن نقيس على هذه المسائل غيرها.
الأحداث واضحة، وتقريرات الاخباريين واضحة من حيث ميول أصحابها واتجاهاتهم وثقافاتهم وولاءاتهم السياسية والفكرية. وشريعتنا أكبر وضوحاً وجلاءٍ، وإنما الغبش في أذهاننا نحن المسلمين الذين شغلنا أنفسنا بآراء غيرنا حتى أصبحنا تائهين.
إن العودة إلى القرآن والسنة بالدراسة والتأمل، وإلى أحداث التاريخ الكبرى بالفهم والاستنباط لخطوة مهمة في هذه المرحلة، فهل نفعل ذلك؟
اشارة:
يا أمة الإسلام، وجهك لم يزل
بالرغم من هول الشدائد مُسفرا
|
|