Sunday 23rd february,2003 11105العدد الأحد 22 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل يمنع ديغول الحرب على العراق؟ هل يمنع ديغول الحرب على العراق؟
د. حميد عبدالله (*)

بعد جلسة 14/2/2003م في مجلس الأمن تحولت الحرب من حرب بين العراق والولايات المتحدة، إلى حرب بين الولايات المتحدة والعالم، وانحرف مسارها عن الاتجاه الذي رسمه فرجال واشنطن لتأخذ اتجاهاً آخر بدأت ملامحه تتضح من خلال دعوة باريس وعلى لسان وزير خارجيتها دومونيك دوفلبان إلى ضرورة بروز قطب جديد يعيد التوازن إلى عالم بات يقف على قرن ثور هائج.
وهكذا كان قدر العراق أن يكون سبباً في ظهور نظام دولي جديد كل عقد من السنوات، فكانت حرب الخليج الثانية عام 1991م إيذاناً ببدء نظام أحادي القطبية، وها هي حرب الخليج الثالثة تحمل في ثناياها مولوداً جديداً تؤكد قسماته، ويستشف من النظرة الأولى إليه بأنه نظام دولي جديد، قد ينهي التسلط الأمريكي ويبلور ظهور قطب جديد، ليس بالضرورة أن يكون دولة واحدة أو كتلة دولية متجانسة، لكنه قد يتكون من مجموعة دول يجمعها الشعور بالتهميش والتحجيم وتكميم الأفواه، وهذا ما ظهر جلياً في الموقف الفرنسي الذي اصطفت وراءه روسيا والصين وألمانيا.
لم تكن صلابة الموقف الفرنسي بوجه التسلط الأمريكي مردها التحالف مع العراق، أو الدفاع عن نظام الرئيس صدام حسين، بل كانت قبل ذلك ذوداً عن الهيبة الفرنسية، وإحياء لاستقلالية القرار الفرنسي الذي كاد جورج بوش يجهز على بقاياه بعد أن لمس أن أوروبا ومن بينها فرنسا لم تعد تمتلك قدراً من الشجاعة يكفيها لقول كلمة «لا» لواشنطن وإن خرجت هذه ال«لا» فإنها ستكون خافتة وهشة وغير مدوية، لذلك أرادت باريس أن تثبت للبيت الأبيض أن ديغول لم يمت، وأن مبادئه ما زالت جذوة متقدة في عقول ونفوس الفرنسيين، وقد عبر عن هذه الحقيقة وترجمها أعضاء البرلمان الفرنسي عندما استقبلوا دوفلبان العائد مزهوا من مجلس الأمن بعاصفة من التصفيق ثناء على شجاعته، وتأكيداً لدعم الشعب الفرنسي لانبعاث فرنسا الديغولية في عصر القنوط والخنوع.
ربما يثار سؤال يبدو ملحاً للوهلة الأولى وهو: هل تستطيع فرنسا ومن سيتحالف معها أن تمنع واشنطن من القيام بحربها المحتملة على العراق.
للإجابة على هذا السؤال نقول: إن باريس لا تستطيع أن تلوي إرادة واشنطن، وإن الأخيرة لن تسمح بذلك تحت أي ظرف، لكن الموقف الفرنسي الذي سيكرر نفسه بقوة في الجلسات القادمة لمجلس الأمن، سيؤدي إلى عزل واشنطن دولياً، والحليلولة دون حصولها على غطاء قانوني وإن كان مهلهلاً لضرب العراق، وبالتالي فإن نجاح أحد طرفي التنافس ولا أقول الصراع في عزل الطرف الآخر، إنما هو نصر سياسي خاصة إذا كان الطرف المعزول هو دولة بحجم وقوة وتأثير الولايات المتحدة التي ألفها المجتمع الدولي تَعْزِل ولا تُعْزَل، تلوي الأذرع من غير أن يلوي أحد ذراعها عدا استثناءات تكسر هذه القاعدة قليلاً.
الأرجح أن الولايات المتحدة ستزداد إصراراً واندفاعاً لضرب العراق، لأن القضية لم تعد محصورة بالأهداف التي رسمتها واشنطن من وراء ضرب العراق فقط، بل إن الأمر أصبح يلامس مصداقية واشنطن وهيبتها التي ستمتحن امتحاناً عسيراً، فالتراجع ليس أسهل من التقدم، والتقدم ليس أخطر من التراجع، وأمر طبيعي أن الإدارة الأمريكية ستأخذ بخيار التقدم وإن كان طريقه أكثر وعورة من التراجع، لأنها تستطيع أن تضرب بهذا الخيار عدة عصافير بحجر واحد، فهي أولاً تحقق أهدافها الأساسية من الحرب والتي أفصح عنها كولن باول، وفي مقدمتها تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة وإعادة رسم خارطتها من جديد، وتصفية القضية الفلسطينية بما ينسجم مع المزاج الإسرائيلي، وهي ثانياً ستثبت أن رفض باريس لا يعدو أن يكون بندقية بلا عتاد كما وصف الإنذار الذي وجهه خرشوف لفرنسا وبريطانيا وإسرائيل خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهي ثالثاً ستقطع على المتطلعين إلى قطب ثان يواجه ويوازي الوحش الأمريكي أحلامهم، وهي رابعاً وأخيراً ستجعل من ضرب العراق هراوة غليظة تلوح بها أمام من تريد ابتزازهم أو ترويضهم أو تهديدهم، وتبعث برسالة إلى الدول «المارقة» مؤداها:


«من حلقت لحية جار له..
فليسكب الماء على لحيته»

ولا شك أن ثمة لحى كثيرة سيحين وقت حلاقتها بالموسى الأمريكي بعد العراق.
على أن الاندفاع الأمريكي صوب هدف الحرب سوف يترتب عليه اندفاع بالاتجاه المعاكس صوب مناوئة واشنطن منهجاً وسياسة، وبالتالي فإن الاندفاع نحو الحرب سيعجل بظهور قطب جديد لأن التحدي والتحدي المضاد سيكونان بمثابة جرعة شجاعة إضافية يتلقاها صانعو القرار في فرنسا ومن يصطف معها تمكنهم من «الاستجابة» لذلك التحدي بما يتناسب مع ما يحمله من خطر عليهم.. وبين التحدي والاستجابة، وبين لغة القوة ومنطق الدبلوماسية ربما سيظهر عالم جديد وموازنات جديدة والسبب هذه المرة هو العراق أيضاً!
(*) كاتب وصحفي عراقي

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved