Sunday 23rd february,2003 11105العدد الأحد 22 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

زفاف تقطعه صافرات الإنذار.. وصاروخ في غرفة النوم زفاف تقطعه صافرات الإنذار.. وصاروخ في غرفة النوم
أيتام العراق في زمن الحرب .. كوابيس الحرب أمرُّ من طعم اليُتم

  * بغداد د. حميد عبدالله:
ذاكرة اليتيم تخلو من الخصوصيات إلا حين يغادر دار الأيتام. قدره أقوى من التفسير مهما تفلسف البشر وردوا الأسباب إلى المسببات. حياته جماعية تجري كمياه النهر بين الضفتين من المنبع إلى المصب. لكن لذاكرة اليتيم في العراق ميزة ابتلي بها دون أيتام العالم. ففي تلك الذاكرة الطرية خزين سنوات من الرعب والوحشة والقلق وكلما وضع رأسه على الوسادة سرى إليه إحساس بطعم الحنظل: الإحساس باليتم.
ذاكرة كحاملة طائرات حربية تتربع على قلب الخليج أو غواصة تصطف بداخلها الصواريخ كسمك السردين تخرج خيشومها المريع عابرة البحر الأحمر وأمام قرصانها خارطة العراق.فما زالت أصوات الانفجارات تصم أذنية وهدير الطائرات يخدش القلب كحزمة العاقول يمرق كالسوط تاركاً نبض القلب متلاحقاً.. وما زال صفير الصواريخ الذكية طنيناً مزمناً وهي تمر من فوق دار الأيتام ذاهبة إلى العنوان المبرمج على أنيابها. فهل ينسى الأطفال والشباب وهم يتلاوذون ببعضهم البعض وجدران دارهم تتهدم من قذيفة يقولون إنها أخطأت هدفها وما زالت حرارة النيران تلهب جباههم وهي تلتهم سيارتهم المركونة في زاوية أمينة ثم تنفجر لتتناثر مقاعدها التي طالما تمازحوا عليها.
* أي أيتام في العالم تخزن نصف خلايا ذاكرتهم أسابيع النزوح من دار مهددة إلى دار ظنوا أنها آمنة فوجدوها تشتعل.. قالت إحدى فتيات الدار عن تلك الأيام وهي الآن طالبة في الكلية: حين توقفت السيارات أمام دارنا عام 1991م أمرونا بأن نتهيأ على عجل فسنقيم في دار بديلة وفرحنا فقد كانت دارنا تتشابك فوقها النيران وتهتز من الانفجارات وصريخ الطائرات التي تسبق الصوت وقدت كسر الكثير من زجاج النوافذ. وسارت بنا السيارات حتى توقفت عند دار ما زال رجال المطافئ يجاهدون لإخماد نيرانها وينقذون ما يمكن إنقاذه، ولم تتم فرحتنا فاستدارت بنا السيارات وما أن ابتعدنا قليلاً حتى سمعنا دوياً هائلاً عرفنا فيما بعد أن صاروخاً ذكياً نسي العنوان فاختار الدار نفسها ليضيف إلى الأيتام أبناء رجال الدفاع المدني.
* ذاكرة الأيتام أقراص «سي.دي» لكنها لن تنمحي كما الكتابة المسمارية على مسلة حمورابي. ويغذيها يومياً بكرم بالغ الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض منذ بداية الافتراص في عام 1991م مرورا بعام 1998م حتى حلول الألفية الثالثة.
وأضافت فتاة الكلية اليتيمة لذلك سأختار البقاء مربية في هذه الدار فلقد تمرست في القدرة على امتصاص الصدمات وعرفت أي حضن دافئ يتوق إليه اليتيم حين تداهمه آلة التشريد واليتم وأي صوت حنون مهدئ يحتاجه حين تلدغه صفارات الإنذار وتفزعه من غفوته الممطئنة.
* في العراق أكثر من 19 داراً للأيتام بغداد والمحافظات وتتكفل الدولة وفقاً لقانون الرعاية الاجتماعية بكل أسباب الرعاية المتكاملة.ملابس جيدة وأغلاها ثمناً وبحسب طلب اليتيم وذوقه.
* ولكل يتيم رصيد في البنك لا يقل عن خمسة ملايين دينار ووفقاً للقاون يتزايد هذا الرصيد سنوياً وقد يبلغ ضعفين تبعاً لبداية دخول اليتيم إلى الدار وله الحق أن يسحبه عند بلوغه سن الرشد ليبدأ به حياة مستقلة كريمة، وعدا هذا فله مصروف جيب يومي يتسلمه شهرياً.
* واليوم حين يرى اليتامى صور آلة الحرب الأمريكية في التلفزيون ويستمعون إلى الأخبار أو يسمعون زملاءهم في المدارس عما تعده أمريكا يزداد تجوالهم في دورهم من القلق وتنتاب نومهم الكوابيس ويبدو على علاقاتهم التشنج وساعة الهياج. مشاعر الخوف من مستقبل مهدد تعمل عملها في سلوكهم ولكن بحكم إحساسهم المرهف وما يلتقطونه من همس يدور بين المربيات وما يبدو على وجوههن من تحسب الأمهات وتوقعاتهن فإنهم يعون أن أحداً سوف لا يعوضهم ما هم فيه مهما ادعى وبالغ.
* ثمة فتيات مخطوبات ينتظرن يوم الزفاف وإحداهن تخرجت تواً من معهد المعلمات فخطبها شاب تخرج قبلها بسنة وهي في انتظار ليلة الزفاف، كانت تبكي كلما سمعت إصرار أمريكا على العدوان حتى منعتها المرشدة من الاستماع. تقول إنها تعيش منذ سنوات مع زميلاتها في دار لم يتوقف القصف حولها. فدور الدولة في المحافظات تحت استفزاز دائم من غارات الطائرات الأمريكية والبريطانية اليومية وانفجارات صواريخها انها تقع في مناطق الحظر الجوي الذي فرضته أمريكا وكم حزنت كما قالت ان طالبة زميلتها في المدرسة سوف لا تأتي أبداً لأن صاروخاً اقتحم عليهم دارهم ولم ينفجر فبقي جاثماً في غرفة النوم وبقيت زميلتها تحدق في الزائر المرعب حتى تيبست في فراشها. وعادت إحداهن من صالون التزيين لكي تزف إلى عريسها ا لمنتظر شوقاً في محافظة نينوى. إنه من دار الأيتام في الموصل شب وتعلم مهنة في الدار ثم طلبها للزواج بعد أن رآها في ظروف لم يبح بها.
وستذهب مصطحبة زميلاتها وبرعاية المرشدة الاجتماعية إلى الموصل بجناح مستقل في القطاع لتمسي هناك حيث المنتظرون. وتتكفل الداران بكل تكاليف الزواج وتبقى الباحثة هناك تتابع حياتهما حتى تطمئن على استقرار المودة والرحمة بينهما.
* تقول مديرة الدار إن الخطة العشرية الجديدة فرضت على كل وزارة أن تحقق نمواً سنوياً قدره «11» بالمئة حتى تتحقق المئة بالمئة في نهاية السنة العاشرة وقد بدأنا فعلاً بتنفيذها منطلقين بتهيئة مستلزماتها ونأمل أن لا يعترضها صاروخ باترويت أمريكي كشأنه مع خططها السابقة ولولا صواريخ العدو لاستطعنا أن نتوسع بخدماتها للأيتام ونشمل بالرعاية شرائح جديدة من فاقدي الرعاية الأسرية ممن يعجز والدهم أو والدتهم أو كلاهما عن تربيتهم ورعايتهم بصورة صحيحة لأسباب قاهرة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved