بين فينة وأخرى تعابثني صديقة عزيزة عن طريق البريد الإلكتروني بإرسال بعض الأفكار الطَّريفة، أو المواقف العجيبة، أو الخواطر الجميلة.. كلَّما مرَّت بشيء منها حيث «تدسُّ» أنفها، فهي لا تترك موقعاً دون أن تتطفَّل عليه، ولا ساحة دون أن تلمَّ بما يدور فيها، وتعهدني لا أتعامل مع هذه الوسيلة إلاَّ في حدود قراءة الصُّحف، والحصول على المعلومة في مجال اهتمامي، ومراسلة ضيِّقة الحدود مع أقرب الصَّديقات.. وهي تفيدني كثيراً كلَّما أحالت إليَّ ما ترغب في إطلاعي عليه بلغة أخرى فككنا حرفها، وأتقنَّا فهمها، وغدت لنا في هذا الوقت على وجه التَّخصيص وسيلة لقراءة ما يدور في «أذهان» تترصدنا على كافَّة الثُّغور...، فصديقتي من حيث تفرض علي بعبثها قراءة ما يروق لها، هي تشاكس لغتنا العربية التي نرفع رايتها ولا نتعامل بغيرها مهما قالوا لنا: إنَّ من الحضارة أن تتعامل بلغة الحضارة، فبئست حضارة انتهت إلى تحطيم حضارتها بما آل إليه موقفها السِّياسي على مستوى التفرُّد بعنجهية الحكم على الآخر، وفي التَّسلُّط على حريته...
صديقتي تخبرني دوماً أنَّ دولبة آلات الطِّباعة في العالم لم تُحجِّم رغبة الثَّرثرة على الورق الإلكتروني بأطراف الأصابع كي تُخرج في اليوم الواحد عشرات بل مئات المطبوعات التي تحلِّل المواقف، وتحكم على النَّتائج...، ولعلَّ أطرف ما في الأمر أنَّ التَّبدل السُّلوكي في حرية الحركة الفردية للإنسان داخل هذه المجتمعات، وقسرها على التأقلم الجديد مع متغيِّرات مفهوم «الحرية» الفردية لديهم، لم يمنع هذه الشَّاشات من احتواء ونقل ما يدور في دخيلة الأفكار بأحاسيس الأفراد في قوالب دعابة وسخرية قد تصل إلى درجة تعبِّر عن الاستياء الجمعي وليس الفردي من تبدُّل مفهوم «الحق»، و«العدل»، و«الحرية»، تلك التي كانت شعوبها تمثِّلها، ويتفاخر بها أفرادها، بينما الآن تحدَّت مهارة التَّقانة، ثقة النَّعيم الذي كان يعيشه الأفراد فيها.. فلا أقلَّ من أن يتناقلوا دعابة اللَّذع في الأدب السَّاخر الذي بدأت موجته من جديد تعمُّ تلك المجتمعات.
صديقتي ساهمت كثيراً في فكرة هذا المقال بإرسالها لي بعض النِّكات التي يتداولها مثقفو المجتمعات التي لم تعد تمارس الحرية، بل السَّخط على سلبية القوة فيها فغدت محور سخريتهم من خلال سخطهم.
|