في كل صباح سبت أجيء للعمل والبسمة على وجهي، ولكن ذلك لا يدوم إلا للحظات لأنني بمجرد مقابلتي لشخصين أو ثلاثة تنعكس كآبتهم عليَّ بشكل لا شعوري، فهذا يمتدح اليومين اللذين مضيا في نهاية الأسبوع، وهذا يقول: إن المصائب قد بدأت ولن تنتهي إلا يوم الأربعاء أو الخميس، وثالث يدعي أن سويعات العودة للعمل هي من أتعس لحظاته، وأنا أضرب كفاً بكف وأقول لا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد فكرت بالأمر ملياً فوجدت أن الإنسان - وهذا ليس من عندي - بحاجة للإجازة كي يستريح بدنه وفكره، يحتاج للإجازة اليومية لسويعات قليلة، والأسبوعية في نهاية الأسبوع والسنوية في الصيف، وتقضي الإجازة بأشكال مختلفة منها المفيد - وهذا ما نريده دائما - ومنها الضار - وهذا ما ندعو الله أن يبعده عنا وعنكم - وبطبيعة الحال فإن كل إجازة لا بد أن تنتهي ويعود المرء لعمله والطالب لمدرسته، والموظف لمؤسسته، وهكذا، وسعادة الحياة هي في العمل، العمل المثمر البناء المعطاء، وبدون العمل لن تتطور الحياة ولن نحصل على سعادتها، والإنسان الذي لا يعمل هو إنسان غير جدير بالحياة، حتى أن أحد الفلاسفة قال: «أنا أعمل إذاً أنا موجود»، وأستطيع أن أؤكد أن كل الثقافات البشرية تحمل شعاراً دافعاً ومحفزاً للعمل والنشاط والجد، وكلها تنفر من الكسل والتهاون والتراخي.
إذاً لماذا يكره البعض العودة للنشاط ما دامت السعادة تكمن بهذه العودة؟ الأسباب عديدة منها ما هو مرتبط بطبع الإنسان ونفسه، فهناك الكسول، وهناك المتراخي، وهناك المزيف، وهناك الحاقد، وهناك المحب للهو، وهناك أصناف عديدة، كلها تصل في المحصلة إلى الابتعاد عن الجد والنشاط وبالتالي كره العمل.
ومنها ما يرتبط بطبيعة العمل ومؤسسة العمل أو حتى المدرسة، فالاشخاص هناك قد يكونون مزعجين، وطبيعة العمل قد تكون قاسية، والظروف معقدة، ورب العمل قد يكون من النوع السيئ، وكل هذه ظروف تؤدي لكره أجواء العمل.
وقد ترتبط القضية بالابتعاد عن البيت والأحباب والأصحاب، وهذا بحد ذاته يجعل البعض يتنكدون، وقد ترتبط القضية بظروف أبسط مثل المواصلات وغيرها، ويجب ألا ننسى أن هناك ظروفاً قهرية قد تكون هي السبب مثل حالة المرض والضعف والوهن وغير ذلك عافانا الله وإياكم منها.
الأسباب متعددة، وحلها يجب أن ينسجم مع طبيعتها، ولكن العنوان العريض للحل هو الايمان، فالمؤمن الحامد لله في كل الظروف، الشاكر له في كل الامور لا يتلقى الأخبار إلا بكل سرور، فالسعادة يشكر الله عليها، والحزن والمصائب يصبر ويحمد الله عليها أيضاً، وهكذا يحول السعادة الى سعادة أكبر، ويصيّر المصيبة سعادة، وهؤلاء الذين ينطبق عليهم أنهم روح الحياة وجوهرها - جعلنا الله وإياكم منهم - وكل جمعة وأنتم بخير.
|