* تحقيق : عبدالله بن ظافر الأسمري
يعود الحاج من حجه فرحاً مسروراً بعد انقضاء حجه وقد أتم مناسكه، ولكن الغريب في الأمر ان يظهر الفرح بشكل لا يرضي الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، بدلاً عن اتباع الحسنة الحسنة، يعود بعضهم ليتبع الحسنة السيئة، فيعود إلى ما كان عليه من معاص وآثام يقترفها سابقا. «الرسالة» هنا تتناول ماذا بعد الحج من خلال عدد من المشايخ الفضلاء ليدلوا بدلوهم في واقع الحاج بعد حجه، وماذا ينبغي عليه ان يفعله وأن يلتزم به، وكذلك الخطوات والوصايا الثمينة التي تعين الحاج على الثبات على طاعة الله سبحانه.
وصايا ثمينة:
يتحدث «للرسالة» في بداية الموضوع فضيلة إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالعريجاء الشيخ محمد بن ابراهيم السبر، حيث أوصى فضيلته الحاج العائد من حجه بوصايا عدة دعا فيها من أتم نسك الحج إلى حمد الله جل وعلا ان يسر له أداء هذه الشعيرة المباركة وأعانه في بدنه وماله وجعله مستطيعاً على أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، وقال فكم من أناس تتوق نفوسهم لقصد تلك البقاع الطاهرة وأداء فريضة الحج والعمرة ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون حبستهم الاعذار وأقعدتهم الأسباب حقاً إنها نعمة تستحق الحمد والشكر: {وّإن تّعٍدٍَوا نٌعًمّةّ اللهٌ لا تٍحًصٍوهّا}. مشيراً إلى أهمية تقوى الله جل وعلا في السر والعلن في الغيب والشهادة وفي الحج وما بعده وفيما يأتي وما يذر فالتقوى سبب لقبول العمل قال تعالى: {إنَّمّا يّتّقّبَّلٍ اللّهٍ مٌنّ المٍتَّقٌينّ}.
وقال فضيلته مخاطباً المسلم العائد من الحج أثبت على توحيدك لله جل وعلا واحذر الشرك فإنه سبب لهبوط الأعمال وموجب للخلود في النار ومانع من دخول الجنة قال تعالى: {إنَّهٍ مّن يٍشًرٌكً بٌاللَّهٌ فّقّدً حّّرَّمّ اللّهٍ عّلّيًهٌ الجّنَّةّ وّمّأًوّاهٍ النَّارٍ وّمّا لٌلظَّالٌمٌينّ مٌنً أّنصّارُ }.
* واحذر الابتداع في الدين فإن شره عظيم فقد جاء في الحديث: «وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
كما حذر فضيلته من مغبة الغبن بعد الحج وذلك بمبارزة الله بالمعاصي بعد معايشة النفحات والتلذذات بالمناجاة مؤكداً ان من المصيبة أن يبني الإنسان ثم يهدم وان يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وبين أهمية الحرص على أداء الفرائض والواجبات لأن الفرائض أفضل مايتقرب به العبد إلى ربه لاسيما الصلوات الخمس في جماعة المسلمين وشهود الجمعة لأن الصلاة عماد الدين قال تعالى: {حّافٌظٍوا عّلّى الصَّلّوّاتٌ وّالصَّلاةٌ الوٍسًطّى"}. كذلك الحرص على اجتناب الكبائر بأنواعها والفواحش ما ظهر منها وما بطن، فالذنوب والمعاصي شرها وبيل ونتائجها مستطيرة وهي مهلكة للعبد ومسخطة للرب وسبب لمحق بركة الرزق.
وأوصى فضيلة الشيخ السبر المسلمين بالتوبة النصوح وتجديدها من حين إلى آخر وكذلك التحلل من المظالم والتبرؤ من الذنوب ولزوم الاستغفار وكثرة الذكر والدعاء والتضرع وصدق اللجأ إلى الله سبحانه وتعالى والافتقار إليه وفتح صفحة جديدة مع الله ملؤها القرب من كل خير والبعد عن كل شر.
كيف تجد نفسك؟
وفي السياق نفسه، بين فضيلة رئيس مركز هيئة العيون المكلف الشيخ سعود بن فهد العساف علامات الحج المقبول بقوله والحج المبرور ترى علاماته على صاحبه (وأما قبول العمل فنقول) قبول الأعمال من الأمور الغيبية التي لايعلمها إلا الله عز وجل، إن الحج المبرور أمارة، ولقبوله منارة، سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما الحج المبرور؟ فقال: ان تعود زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، بمعنى أن يكون الحج جاهزاً للحج عن مواقع الهلكة ومانعاً له من المزالق المتلفة، وباعثاً له إلى المزيد من الخيرات وفعل الصالحات، حيث ان المؤمن ليس له منتهى من صالح العمل إلا حلول الأجل، حينئذ نستطيع ان نقول ان هناك علامات ودلالات على قبول الأعمال الصالحة ومن ذلك ان المسلم الذي رجع من رحلة الحج يجد في نفسه إقبالاً وحباً للخير وبغضاً للشر وبعداً عنه، فتراه يمقت الذنوب والمعاصي ولايقترف منها وتراه مستقيماً على طاعة الله محافظاً على أوامر الله مجتنباً لنواهيه، وكذلك انشراح الصدر ، وسرور القلب، ونور الوجه، فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها، بل على ظاهره وباطنه أيضاً، وذكر بعض السلف إن من علامات قبول الحسنة ان يوفق الإنسان لحسنة بعدها، فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على ان الله عز وجل قبل عمله الأول، ومن عليه بعمل آخر، ورضي به عنه فجدير بمن عاد من رحلة الحج أن يجدد العهد مع الله وان يفتح صفحة جديدة مع الله وذلك بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله والإقبال عليه وأن يندم على ما مضى من الاساءة والتقصير ويعزم على عدم العودة إلى الذنوب والمعاصي ومن تاب تاب الله عليه قال الله تعالى: {تٍوبٍوا إلّى اللّهٌ جّمٌيعْا أّيٍَهّا المٍؤًمٌنٍونّ لّعّلَّكٍمً تٍفًلٌحٍونّ} وأن يسأل الله الثبات على هذا الدين إلى أن يلقاه وأن تكون نظرته سامية عالية وأن يحذر الدنيا ومفاتنها وشهواتها.وبعد هذا يثور الذهن سؤال عن ماذا ينبغي على الحاج فعله من الطاعات بعد حجه؟ ويجيب فضيلته:
1- أن يشكر الله سبحانه وتعالى على توفيقه لهذه العبادة.
2- أن يسأل الله تعالى قبولها.
3- أن يعلم أن توفيق الله تعالى إياه لهذه العبادة نعمة يستحق سبحانه وتعالى الشكر عليها، فإذا شكر الله وسأل الله القبول فإنه حري بأن يقبل، لأن الإنسان إذا وفق للدعاء حري بالإجابة وإذا وفق للعبادة فهو حري بالقبول.
4- وليحرص غاية الحرص ان يكون بعيداً عن الأعمال السيئة بعد أن منَّ الله عليه بمحوها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
5- أن يتقي الله عز وجل في أداء ما ألزمه به من العبادات الأخرى من صلاة وزكاة وصلة وبر وإحسان وغيره وجماع لذلك كله في قوله تعالى: {إنَّ اللهّ يّأًمٍرٍ بٌالًعّدًلٌ وّالإحًسّانٌ وّإيتّاءٌ ذٌي القٍرًبّى" وّيّنًهّى" عّنٌ الفّحًشّاءٌ وّالًمٍنكّرٌ وّالًبّغًيٌ يّعٌظٍكٍمً لّعّلَّكٍمً تّذّكَّرٍونّ، وّأّوًفٍوا بٌعّهًدٌ اللهٌ إذّا عّاهّدتٍَمً وّلا تّنقٍضٍوا الأّيًمّانّ بّعًدّ تّوًكٌيدٌهّا وقّدً جّعّلًتٍمٍ اللّهّ عّلّيًكٍمً كّفٌيلاْ إنَّ اللّهّ يّعًلّمٍ مّا تّفًعّلٍونّ}.
6- يجب العلم أن الحج لايكفر الذنوب التي لم يتب منها صاحبها، وإنما الحج كفارة للعبد التائب إلى الله الراجع إليه قال صلى الله عليه وسلم (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وقوله (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) هذه الأحاديث تدل على أن الحج يكفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها ولكنه يستفاد من الأحاديث والآيات الواردة أن كل ذلك إذا كان الحاج تائباً عن الكبائر كلها مقلعاً عنها عازماً على عدم العودة إليها، ومن ظن غير ذلك فقد أخطأ خطأً بليغاً وفهم الحديث على غير معناه، ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وّاذًكٍرٍوا اللّهّ فٌي أّيَّامُ مَّعًدٍودّاتُ فّمّن تّعّجَّلّ فٌي يّوًمّيًنٌ فّلا إثًمّ عّلّيًهٌ وّمّن تّأّخَّرّ فّلا إثًمّ عّلّيًهٌ لٌمّنٌ اتَّقّى" وّاتَّقٍوا اللَّهّ وّاعًلّمٍوا أّنَّكٍمً إلّيًهٌ تٍحًشّرٍونّ}.فقوله سبحانه وتعالى {لٌمّنٌ اتَّقّى"} يدل على ان المتقي لله الخائف منه هو الذي تغفر له ذنوبه بعد تمام الحج متعجلاً في يومين أو متأخراً لليوم الثالث فقوله تعالى {لٌمّنٌ \تَّقّى"} راجع للمتعجل والمتأخر. ومعلوم ان المقيم على الذنب ليس من اتقى الله وخافه.
محاذير وأخطار
وفي نهاية تحقيقنا حذر فضيلة إمام مسجد التعاون بالدار البيضاء بالرياض الشيخ عبدالله بن مرزوق آل محمد من أخطاء يرتكبها عدد من الحجاج ومخالفات يقترفونها وذلك بعد انقضاء حجهم، بل وبعضهم يرى أنها من العبادات المكملة لفريضة الحج مع أن بعضها منافية للتوحيد أو لكماله من زيارة القبور طلباً للمدد والفوت أو لتفريج الكربات وهذا منهى عنه فقد بعث الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه لادعاء عبادة ولادعاء استغاثة، قال تعالى: {قٍلٌ \دًعٍوا الذٌينّ زّعّمًتٍم مٌَن دٍونٌهٌ فّلا يّمًلٌكٍونّ كّشًفّ الضٍَرٌَ عّنكٍمً وّلا تّحًوٌيلاْ}.
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وعزيراً والملائكة. ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى آيات ثم قال وعبادة الله وحده لاشريك له هي أصل الدين وهي التوحيد الذي بعث الله بعد الرسل وأنزل به الكتب قال تعالى: {وّلّقّدً بّعّثًنّا فٌي كٍلٌَ أٍمَّةُ رَّسٍولاْ أّنٌ اعًبٍدٍوا اللَّهّ وّاجًتّنٌبٍوا الطَّاغٍوتّ}، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى حتى بالحلف به أو اشراكه مع الله وهو شرك أصغر مناف لكمال التوحيد وكيف بمن يطوف بالقبور أو يدعوها من دون الله أو يذبح لها أو ينذر ونحو ذلك. فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده ونهى عن الحلف بغير الله وقال (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). فعلى الحاج أن ينتبه لمثل هذه الأمور ويحذر منها، أما زيارة القبور الزيارة الشرعية للدعاء لهم والاستغفار لهم وكذلك للعظة والعبرة فقد حث عليها رسول الله كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها عبرة، ولا تقولوا ما يسخط الرب). أما الذهاب إلى مدينة الرسول لقصد زيارة قبره فهذا عمل غير مشروع بل الذهاب لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المشروع كما أخبر بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الأقصى والمسجد الحرام ومسجدي هذا). كما أنه لا يجوز التبرك بالقبور أو بترابها وحصبائها فكل ذلك مخالف للشرع المطهر خطر على عقيدة المؤمن فهذه جمادات لا تنفع ولا تضر ولم يجعلها الشارع سبباً لقبول الدعاء أو لكسب البركة وقد حذر الرسول من ذلك بقوله (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، ويحذر مما صنعوا وقال صلى الله عليه وسلم (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً (لاتتخذوا قبري عيداً ولابيوتكم قبوراً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني). ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أنه لايشرع بناء المساجد على القبور ولا الصلاة عندها.وذلك لأن من أكبر أسباب عبادة الأوثان كان تعظيم القبور، ولهذا اتفق العلماء على أنه من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لايتمسح بحجرته ولايقبلها، لأنه إنما يكون ذلك لأركان بيت الله فلا يشبه بيت المخلوق بيت الخالق كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لايقبل الله عملاً إلا به ويغفر لصاحبه، ولايغفر عن تركه كما قال تعالى: {إنَّ اللهّ لا يّغًفٌرٍ أّن يٍشًرّكّ بٌهٌ وّيّغًفٌرٍ مّا دٍونّ ذّلٌكّ لٌمّن الشّاءٍ}.
كما بين الشيخ آل محمد أنه لاينبغي للنساء مخالطة الرجال في أي زمان ومكان بل عليهن بالحجاب والحشمة والتستر ولا يظهرن بزينة وكل ذلك من مبادئ الإسلام السامية حرصا عليهن ان يفتن أو يفتن قال تعالى: {وّلا تّبّرَّجًنّ تّبّرٍَجّ الجّاهٌلٌيَّةٌ الأٍولّى"} وإن كان هذا خاصاً لنساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا انه عام لنساء الأمة جمعاء، كما قال تعالى في آية أخرى من سورة الأحزاب نفسها {يّا أّيٍَهّا النّبٌيٍَ قٍل لأّزًوّاجٌكّ وّبّنّاتٌكّ وّنٌسّاءٌ المٍؤًمٌنٌينّ يدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ ذّلٌكّ أّدًنّى" أّن يٍعًرّفًنّ فّلا يٍؤًذّيًنّ وّكّانّ اللهٍ غّفٍورْا رَّحٌيمْا}، إذاً على النساء تجنب مخالطة الرجال وخاصة في الأماكن المزدحمة حتى في الطواف فيشرع للمرأة الطائفة أن تطوف في المكان والزمان اللذين لا تخالط فيهما الرجال الأجانب لأن مخالطتها للرجال تعرض للفتنة، وذلك ممنوع شرعاً في كل وقت ومكان. وفي الطواف يكون أكد إذا كان منه مندوبة، ولهذا استحب لهذا العلماء الطواف ليلاً، والطواف في حاشية المطاف. وفي صحيح الإمام البخاري -رحمه الله-: قال ابن جريج أخبرني عطاء إذا منع ابن هشام (ابراهيم بن هشام بن اسماعيل خال هشام بن عبدالملك حيث فوضه على إمرة الحج في خلافته) النساء الطواف مع الرجال: قال كيف يمنعهن. وقد طاف نساء النبي مع الرجال، قلت بعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطهن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطهن، كانت عائشة رضي الله عنها -تطوف حجرة (أي ناحية لاتخالطهم) فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك وأبت، وكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال.. الخ أخرجه البخاري مع الباب.
|