من المعروف ان الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقوم بأعمال جليلة في المحافظة على الدين والمجتمع. فالهيئة لها نشاط عظيم وجهود مباركة في مقاومة كثير من المنكرات وفي مجالات متعددة. وليس معنى هذا ان الهيئة قد بلغت مراتب الكمال وأنه لا خلل ولا نقص في أعمالها، لأن النقص صفة البشر ولأن تحقيق الكمال من المحال. في الأسبوع الماضي بدأنا بتقديم بعض المقترحات التي تهدف إلى تقوية أمر الحسبة والرفع من شأنها. وقد تكون بعض المقترحات المذكورة مما عملت به الهيئة وأخذت به ولكني أذكرها من باب التأكيد والحث عليها وهنا نستكمل بقيتها والمختصة بالحسبة.
5- زيادة عدد الجنود التابعين للهيئة، والعلم على حسن اختيارهم مع وجود قائد لهم مشهود له بالخير والاستقامة والسيرة الحسنة والحرص على السنن الظاهرة.
6- أرى أن تحرص الهيئة على الزيارات الميدانية للمدارس والدوائر الحكومية بعد التنسيق، وذلك لايضاح دور الهيئة ومهامها بأسلوب سهل ومقنع، لأن ذلك من شأنه ان يضيق الفجوة بين أعضاء الهيئة وسائر عناصر المجتمع، كما يعكس الصورة الجيدة للهيئة ويساعد على كسب قلوب الآخرين.
7- أقترح إنشاء معاهد متخصصة للحسبة تولي العناية بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتولى التدريس فيها علماء ومشايخ من ذوي العلم الشرعي. كما أرى أن يقرر تدريس مادة «الحسبة» في الجامعات الإسلامية بكثافة أكثر تأسياً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
8- إيجاد الوسائل المناسبة والمباشرة لتسهيل عملية الاتصال بين المواطن وبين مراكز الهيئة للإبلاغ عن منكر ما أو قضية لا تحتمل التأخير، كوجود خط هاتف مباشر يعمل على مدار الساعة، أو خط هاتف جوال مستقر في إحدى سيارات الهيئة في كل مدينة.
9- ضرورة مشاركة الهيئة في مختلف المناسبات الرسمية والشعبية واللقاءات الثقافية والاجتماعية العامة والندوات والمعارض وغيرها من المواسم لا على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب، وإنما للمشاركة في ذاتها لما ينتج عنها من فوائد متعددة ربما كان من أهمها إبراز دور الهيئة للمجتمع ورفع مستوى العلاقة بين الهيئة والمواطن.
10- أرى ان تسعى الهيئة إلى المشاركة مع الدوائر الحكومية الأخرى، بحيث يتم التنسيق للتعاون البناء بين الهيئة والجهات الأخرى في الدولة بما يخفف الأعباء على الهيئة من جهة، ويحقق الأهداف الشرعية من جهة أخرى.
11- لعل من الأفضل توسيع نطاق الاحتساب أكثر مما هي عليه الآن بحيث تشمل الإشراف على أرباب الحرف والصناعات ولو على سبيل التبعية للإدارات الأخرى، فيكون الإشراف عليهم فنياً إلى الجهات الحكومية المختصة، ومن حيث المتابعة والتفقد والمراقبة إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون هذا من باب تعاون الهيئة مع الجهات الأخرى.
12- وفكرة أخرى أطرحها للمناقشة والتداول وهي توسيع نطاق الحسبة في الأجهزة الحكومية نفسها بإنشاء إدارات فيها مهمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإشراف على الشؤون الدينية والدعوة في الأجهزة الحكومية وخارجها، وقد حبّذ هذه الفكرة سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- وذكر أنها من باب التعاون على البر والتقوى وأن المصلحة في ذلك عظيمة، لكن بشرط، أن يتولاها من تتوافر فيه الأخلاق الفاضلة والغيرة الدينية والفقه في الدين. وكذلك كان رأي فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين موافقاً لرأي الشيخ ابن باز -رحمهما الله-، وأما فضيلة الشيخ صالح الفوزان فقد رأى ان الأمر متعلق بالمصلحة وأنه راجع لولي الأمر وما يراه الأصلح في هذا الأمر، ثم قال: ولكن لابد في نظري أن يوحد المرجع في الحسبة وإن توزعت الفروع في قطاعات الأجهزة الحكومية، فإن توحيد المرجع الذي يناط به الإشراف على هذا الأمر أضمن للمصلحة وأبعد عن الاختلاف ويكون أيضاً فيه توحيد(1).
ومن الطريف أن ابن الأثير صاحب كتاب «المثل السائر» قد اقترح مثل هذا الاقتراح وتمنى دخول الحسبة في بعض الوظائف وأن يكون هناك محتسبون يحتسبون على وظيفة الكتابة -التي كانت جزءاً من موضوعات كتابه- فقال: «وكنت أحب أن يقام على الكتابة محتسب حتى يتفلس منها خلق كثير، وتستريح جياد كثيرة من ركوب حمير، وفي مثل هذا السوق يظهر أهل الخلابة والنجش، وما منهم إلا من هو في الحضيض الأسفل وقد أجلس نفسه قائمة العرش، ونار الآلة العمرية(2) تميز خالص النقود مع زيفها، ولاحيف في هذا المقام على من أسرفت دعواه الكاذبة في حتفها»(3).
* هوامش:
(1) إجابات هؤلاء العلماء موجودة في كتاب الدكتور علي القرني: الحسبة في الماضي والحاضر 2/783.
(2) يقصد الدرّة.
(3) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، 1/125-126.
(*) الاستاذ المساعد بقسم الدعوة والاحتساب بكلية الدعوة بالمدينة النبوية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|