* القاهرة - مكتب الجزيرة - عمر شوقي:
صدق رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون أخيرا على خطة عابر طريق الهادفة الي سرقة العديد من المناطق العربية وضمها الى اليهودية و هي الخطة التي بدأت فكرتها بمحاولة إنشاء طريق قطري يربط شمال إسرائيل بجنوبها في مطلع سنوات السبعينات في فترة حكومة العمل وارتبطت الفكرة بموقع إسرائيل ودورها الجديدين في المنطقة، بعد حرب عام 1967، واحتلالها مناطق عربية مما استدعى من الجانب الإسرائيلي تطوير وسائله التي تخدم عملية التوسع بهدف احداث واقع جديد على الأراضي.
والحديث عن هذة الخطة لا يدور عن مجرد عملية تطوير البنية التحتية في إسرائيل بحيث يشكل طريقَ عابرِ إسرائيل، أو «طريق رقم 6» كما أطلق عليه، شريانا قطريا وقاعدة أساسية في إطار خطة عامة للتطوير، بل انه يدور حول خطة استراتيجية منهجية، لها مداولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالنسبة الى مجرى الصراع الإسرائيلي العربي وتطوراته في المنطقة، فالمشروع في مضمونه وأهدافه الرئيسية يرتبط بالصراع العربي الإسرائيلي ارتباطا عضويا لتحديد طابع ومصير العديد من القضايا الاساسية التي تواجهها اسرائيل وأهمها، القضية الفلسطينية والمستقبل الاقليمي للصراع العربي الاسرائيلي، وقضية المساواة القومية والمدنية للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل، وقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية غير المستقرة في المجتمع الإسرائيلي. ففي عام 1976، تحديداً طرحت الحكومة آنذاك فكرة مشروع شارع عابر إسرائيل في اطار مخططاتها، بحيث ينطلق من بئر السبع في الجنوب ويصل الى منطقة وادي عارة في الشمال، وفي نهاية الثمانينات ادخلت عليه بعض التعديلات بحيث يستمرفي منطقة وادي عارة شمالا ليصل مفترق يوكنعام القريب من حيفا ومن هناك سيتفرع ليصل مفترق الكابري في الجليل الغربي بطول 82 كيلو مترا، وفرع آخر سينطلق من مفترق يوكنعام حتى مدينة الجاعونة «روش بينا»، الواقعة على الحدود اللبنانية بطول 57 كم. ورغم أن فكرة المشروع قد بدأت في السبعينات الا أن المشروع لم يخرج الى حيز التنفيذ في السبعينات ولا حتى في الثمانينات لعدة أسباب، اهمها هزيمة اسرائيل في حرب 1973، والازمة الاقتصادية التي صاحبت ذلك وفشل مشروع الهجرة اليهودية الواسعة لاسرائيل في تلك الفترة، وفي عام 1991 بدأت حكومة اسرائيل مجددا في الاعداد الجدي لبدء تنفيذ المشروع، اذ ان هناك بعض المتغيرات والاوضاع الجديدة التي ساعدت على اخراج هذا المشروع الى حيز التنفيذ، وأهم هذه الأوضاع والمتغيرات: انهيار الاتحاد السوفيتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية، وتنظيم أكبر عملية تهجير الى اسرائيل منذ الأعوام الأولى بعد النكبة حيث هاجر في عامي 1991- 1992، على سبيل المثال اكثر من 460 ألف مهاجر جديد الى اسرائيل، يضاف الى ذلك انطلاق عملية السلام في المنطقة باشراف امريكا.
في ظل هذه الظروف اعلن ثانية التخطيط للشروع في تنفيذ المشروع، وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بدء التنفيذ رسميا في شهر نوفمبر 1992، وأعلن وزيرا المالية والإسكان الإسرائيليان اقامة شركة حكومية لادارة المشروع تحت مسمى «خريطة استيعاب الهجرة»، اي أن هذا الطريق عبارة عن الرد القطري لخطة استيعاب نحو مليون ونصف المليون مهاجر يهودي جديد الى اسرائيل، حتى نهاية عام 2000، وفي العام 1994، اقر الكنيست الإسرائيلي قانون شارع عابر اسرائيل، كما أقرت لجنة التنظيم والبناء مخطط «تاما 31»، الذي يحدد طول الشارع ب 230-300 كم، بعرض 100 متر وخطوط ارتدادية من 150-200 متر الامر الذي يعني أن الشارع يحتاج الى نحو 37 ألف دونم في وسط اسرائيل وشمالها.
وفيما يتعلق بعملية البدء في تنفيذ الشارع فقد حصلت شركة عابر اسرائيل على جميع المصادقات القانونية ونشرت مناقصات وفازت بها شركة تعمل في هذا المجال وهذه المناقصات خاصة بالمرحلة الأولى من الشارع بطول 90 كم من جديرا جنوبا حتى مفترق بركائي في وادي عارة شمالا، اما المرحلة الثانية من الشارع وهي في منطقة الشمال والجليل، فان الاستعدادات لها تتم في هذه الفترة.
تدور الأهداف المعلنة للمشروع حول حل مشكلة الاكتظاظ في حركة السير اليومية في منطقة المركز «غوش دان»، وحل مشاكل السير في المنطقة الواقعة بين اشدود ونتانيا، اضافة الى وصل الجنوب والشمال مع وسط البلاد، وفي خطوة لاحقة اقامة مستوطنات جديدة على طول الشارع في المناطق غير المأهولة بالسكان بهدف وضع حلول للطلب المتزايد على المساكن وتعطي حلا لاسعار السكن العالية في المدن الكبيرة.
هذه هي الأهداف المعلنة للمشروع، ولكن هناك مجموعة من الأهداف بعيدة المدى، ففي الوقت الذي تجري فيه مفاوضات السلام يكشف طريق عابر اسرائيل ملامح المفهوم الاسرائيلي للسلام وطبيعة الحل النهائي الذي ترجوه اسرائيل من العملية السلمية، فحسب مسار الشارع فان السلطات الاسرائيلية تهدف الى محو الخط الأخضر فعليا لا رسميا فقط، وذلك عن طريق ضم اجزاء من المناطق الفلسطينية المحتلة وخلق أوضاع جغرافية جديدة يتم بموجبها انتزاع اراض فلسطينية شرق الخط الأخضر وضمها الى اسرائيل بهدف توسيع الخاصرة الاسرائيلية، وما ادل على ذلك من المعلومات التي تؤكد ان الخرائط الخاصة بطريق عابر اسرائيل تتضمن اربعة بدائل، اثنان منها داخل الخط الأخضر والثالث على طول الخط الأخضر من خلال اعتداءجزئي على أراضي الضفة الفلسطينية، أما الرابع فيدخل مساره داخل الضفة بعمق يصل في بعض المناطق الى ثلاثة كيلو مترات مقتطعا مساحات شاسعة من اراضي اربع قرى فلسطينية هي شويكة وزيتا وعتيل وباقة الشرقية.
ان اقرار المشروع في عهد حكومة العمل كان يهدف الى خدمة خطة اقامة سوق شرق اوسطية جديدة كان شمعون بيرس من اشد المتحمسين لها، وخلق نظام اقليمي جديد بحيث تتحول هذه الطريق والمرافق الاقتصادية والمراكز التجارية على جانبها الى قاعدة انطلاق للتغلغل والانتشار للهيمنة الاقتصادية والتجارية لاسرائيل على المنطقة.
جرا فات المشروع تجرف أراضي كفر قاسم
اضافة الى كل ما سبق فانه بموجب مشروع عابر اسرائيل سوف يحرم العرب من حق التصرف في المناطق المحاذية للطريق، مثل اقامة المطاعم والمرافق الاقتصادية والسياحية وغيرها، خاصة وأن القطاع المركزي من الشارع والذي يبلغ طوله حوالي90 كيلو مترا ويمتد من جديرا جنوبا حتى مفرق بركائي في وادي عارة شمالا هو الذي يمر ضمن الاراضي العربية، ومن ثم فإن استغلال هذا الجزء الحيوي من الشارع في اقامة مرافق اقتصادية وسياحية سيكون ذا مردود ايجابي على الوسط العربي.
وعلى الرغم من المخاطر الجدية التي تواجه الوسط العربي جراء تنفيذ المشروع، فإنه ليس في استطاعة الجماهير العربية الغاء تنفيذ المشروع أو وقفه، ولهذا فإن الجهود المبذولة من قبل المؤسسات والسلطات والجماهير العربية تتجه نحو تقليل وتقليص الاضرار المرتقبة، بحيث تعمل هذه الجهات على تجنيد الجماهير العربية وتحريكها، وكذلك تقوم بالتنسيق مع المستوطنات اليهودية المتضررة من الطريق للعمل معها في القضايا المشتركة مثل تقليص حجم الأراضي المصادرة، وتغيير مسار الطريق لتخفيف الاضرار في مجال الزراعة، وفي مجال التعويضات والاستفادة من مشاريع الطريق بهدف ايجاد بدائل للنشاط الاقتصادي والمعيشي للمتضررين.
ويمكن تلخيص المطالب العربية بهذا الشأن فيما يلي، تقديم تعويضات على قاعدة ارض مقابل ارض، وايجاد بدائل للمتضررين وذلك بالسماح لهم باقامة مطاعم ومرافق سياحية في المناطق المحاذية للطريق وإقامة مناطق صناعية لتوفير فرص عمل لاولئك الذين يقطعون الطريق مصدر رزقهم، والاقلال قدر الامكان من عرض الارتداد عن الطريق من أجل البناء، وحمل السلطات على التفكير الجدي في أن تخصص للعرب اراضي بديلة عن الأراضي المصادرة على أن تكون من أراضي الدولة وذلك من أجل اقامة المششاريع والمرافق والاحياء السكنية والمطالبة بالحق في الحصول على نصيب من الأسهم، والاستفادة من المنشآت الصناعية والتجارية المقامة على جانبي الطريق وعلى الاراضي المصادرة، وتوفير الامكانات والآليات اللازمة لمواجهةالاضرار الناجمة عن تلويث البيئة، جراء شق الطريق وتنفيذ المشاريع المرتبطة به.
ولكن على ما يبدو فان الحكومة الاسرائيلية لن تستجيب لهذه المطالب رغم النشاطات الاحتجاجية المتكررة لمؤسسات وجهات جماهيرية متعددة، فهي تحاول ارضاء الجماهير ولكن دون ان يمس ذلك بمخطط المشروع، فقد علق الناطق بلسان شركة عابر إسرائيل،آرييه شبطاي، على هذه النشاطات قائلا: «قرارات هذه اللجان لن تمنع الشركةمن الاستمرار في شق الشارع».
هكذا يبدو جليا أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في سياستها والتي تصب في اتجاهين، اولها تضييق الخناق على الجماهير العربية داخل الخط الأخضر، وتجريدها من أهم مصدر حيوي واستراتيجي الا وهو الأرض، والاتجاه الثاني فرض السيطرة والهيمنة على المنطقة اقليميا من خلال مشاريع إقليمية يكون لإسرائيل فيها نصيب الأسد، كما أن الوظيفة الحقيقية للمشروع تدخل في صميم أهداف انشائه حيث تعتبر الابعاد العسكرية لمشروع بهذا الحجم خاصة فيما يتعلق بعملية تسهيل حركة الجيش الاسرائيلي في حالة نشوب اي نزاع مسلح، تعتبر ذات أهمية قصوى لدولة مثل اسرائيل يعتمد وجودها الاساسي في المنطقة على مبدأ القوة العسكرية والنزعة التوسعية.
لا يخفى على أحد السياسة المنهجية التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية والقائمةعلى عرقلة التطور الطبيعي للجماهير العربية في اسرائيل، وفيما يتعلق بطريق عابر اسرائيل وما يرتبط به من مشاريع اقتصادية وتجارية وسياحية، يلاحظ أن الحكومة الاسرائيلية تتعامل مع الجماهير العربية ضمن سياستها المبرمجة، الا وهي سياسة الدمج من دون التطوير، وهي سياسة تهدف الى ابقاء العرب غرباء في وطنهم غير كاملي الحقوق وسوقا احتياطية وهامشية في خدمة الاقتصاد الاسرائيلي، وابعادهم عن المشاركة في اقرار وتنفيذ خطط التطوير التي تصب دائما في توسيع الهوة بين الوسطين العربي واليهودي ودائما لصالح الأخير، ويعتبر طريق عابر اسرائيل تجسيدا لهذا التوجه والذي يمكن توضيحه فيما يلي :نهب ومصادرة أكبر مساحة من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة والذي ينعكس على مختلف جوانب الحياة في الوسط العربي سواء من ناحية الانتاج الزراعي وبناءالمساكن أو امكانيات التطوير الخدماتي والصناعي قياسا بالوسط اليهودي، وفي هذا الاطار قد يدعي البعض أن الحكومة الاسرائيلية ستصادر اراضي من اليهود والعرب، لكن الحقيقة أن هناك فوارق حقيقية تشير الى واقع التمييز في هذا المجال.
ملكية الأرض في المستوطنات والكيبوتسات اليهودية تعود الى الدولة ودائرة أراضي اسرائيل، اذ تقدم الدولة البدائل لليهودي عندما تصادر الارض الموضوعة تحت تصرفه لاستغلالها، بحيث تضع في تصرفه اراضي اخرى، او تعمل على تطويرمرافق اقتصادية بديلة غير المرافق الزراعية، وتقدم له التسهيلات والامتيازات من معونات حكومية وتخفيض في الضرائب وقروض ميسرة وغير ذلك.
اما ملكية الأرض في الوسط العربي فهي ملكية خاصة،وبالتالي فأن مصادرة هذه الأرض تحرم العربي احد مصادر رزقه الاساسية «الزراعة» من دون أن تقدم له الحلول كما في الوسط اليهودي، ارضا مقابل ارض، أو بديلا اقتصاديا في مجال العمل والتطوير، ففي الوقت الذي تتحدث معطيات مشروع عابر اسرائيل عن تطوير واقامة مدن جديدة ترتبط بها مرافق صناعية وتجارية وسياحية وغيرها، لاستيعاب وتطوير المهاجرين اليهود الجدد والوسط اليهودي بصفة عامة، فان العرب مستثنون كليا من خريطة التنمية والتطوير، ولا تقدم لهم اية حلول بديلة لمشاكلهم التي تزداد سوءا بعد المصادرة.
فعلى سبيل المثال فان المشروع يتحدث عن اقامة مركز صناعي في الجليل الغربي، وعن انشاء مدينة يهودية شمال الكابري، واقامة هذا المركز يتجاهل كليا متطلبات الوسط العربي وجميع قرى الجليل الغربي العربية، اذ تحرمها تطوير مناطق صناعية مزدهرة خاصة بها.
ووفقا للمعطيات المتعلقة بالمشروع والواردة في الخرائط الخاصة، فإن الحكومة ستصادر مساحة 2000 دونم من أراضي جت المثلث وباقة الغربية و500 دونم من قرية جلجولية في منطقة المثلث، 70 دونما من ابو سنان و170 دونما من كفر ياسيف، اضافة الى 170 دونما من اراضي قرية الجديدة- المكر، و3000 دونم من مدينة طمرة في الجليل. كما سيتم مصادرة 5000 دونم من اراضي الطيبة و 1437 دونما من أراضي الطيرة في المثلث وهي من أخصب الاراضي الزراعية، خاصة وأن معظمها مشجرة، ويضاف الى ذلك 1800 دونم سيتم مصادرتها من أراضي سخنين وعرابة ودير حنا وكفر مندا، واذا اضيف الى ذلك مساحة الأراضي التي ستصادر لشارع رقم «9» والذي يمر من بين باقة الغربية وجت المثلث باتجاه الضفة الغربية فإن الوضع سيكون أكثر مأساوية على الأراضي الزراعية في المنطقة. ولا يخفى على أحد أن مشروع عابر طريق لن يشكل شريانا قطريا لحل مشكلة المواصلات في منطقة وسط اسرائيل فحسب، بل يعتبر النواة الاساسية لاقامة مشروع النجوم السبع الاستيطاني اليهودي الذي يقضي باقامة مجموعة من المدن والمستوطنات اليهودية على امتداد الخط الاخضر وخصوصا في منطقة المثلث بهدف استيعاب عشرات الألوف من المهاجرين اليهود الجدد، وتكون بمثابة حواجز طبيعية تمنع تحول القرى العربية الى مدن، وتعرقل الاتصال بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.
|