Friday 21st february,2003 11103العدد الجمعة 20 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حائط «العار» اليهودي ! حائط «العار» اليهودي !
جلبير لافاييت

عندما ترى إسرائيليا أمام حائط المبكى يهز رأسه وجسمه بتلك الطريقة، تصعدإلى رأسك أسئلة كثيرة.. ربما أهمها: كيف يمكنك أن تفهم إسرائيليا يبكي أمام حائط يموت خلفه أطفال و نساء ليسوا بالضرورة يهودا، بل فلسطينيون، بعضهم يموت لأنه يرمي حجارة باتجاه عسكري مسلح، أو باتجاه دبابة محصنة والبعض الآخريموت لأنه يعبر شارعا ليس من حقه عبوره، و البعض الآخر يموت لمجرد أنه فلسطيني.. هذا يبعث على الحيرة.. نسأل كيف يحدث أن يبكي إسرائيلي أمام جدار لا يسمع ولا يتكلم، و في نفس الوقت يقتل و يشرد من يعتبرهم دخلاء.. طبعا نحن لا نفهم ما يقولونه أمام الجدار، لكننا نرى أن صلاتهم تلك ليست خالية من الضغينة التي يحملها كل واحد للعرب.. لهذا السبب يبدو الصراع طويلا، ربما.. طبعا، حين تسأل أحدهم يصرخ في وجهك «إنهم عرب بؤساء يريدون طردنا من أرضنا»! لكن.. دعوني أسألكم أي أرض يقصدون؟ في سبر آراء أجرته جريدة «جيريزاليم بوست» الإسرائيلية، قال 59 % من الإسرائيليين انهم مستعدون لمغادرة إسرائيل إن استمرت الأوضاع بهذا الشكل.. يقصدون طبعا العمليات الفدائية..
لا شك أنها نسبة عالية، تؤكد شيئا كبيرا جدا: الإسرائيليون يعرفون في قرارة أنفسهم أن هذه الأرض ليست لهم لهذا هم مستعدون للمغادرة إن استمر العنف.. لقد طرحت نفس الاستفهام على عدد من الفلسطينيين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات إلى 70 سنة، قالوا لي «هذه الأرض لنا.. لن نغادرها حتى لو دفننا اليهود فيها».. هذا كلام لا يقوله إلا من كان يقينه واضحا.. من كان يعرف أن الأرض أرضه.. مساء الجمعة، ترى الإسرائيليين يجيئون من كل جهة.. لا يمكنك تمييز وجوههم لكثرة عددهم و لأنهم أحيانا يخفون وجوههم بمنديل ذي مربعات صغيرة.. لكن هدفهم هو الجدار المبكى.. رجال الأمن و العدد الكبير من العساكر المنتشرة يعطيك إحساسا بالحرب.. لكنك تكتشف أن رجال الأمن الذين يضعون على رأسهم طاقية صغيرة يقفون بدورهم أمام الجدار، و كذلك العسكريون الذين يغتنمون فرصة وجودهم في المكان كي يبكوا.. عندما ينتهون من ذلك كله يوجهون فوهات بنادقهم إلى «العدو» الذي يكون عادة طفلا صغيرا أو شيخا عجوزا.. لا فرق في نظرهم عندما يكون الشخص فلسطينيا.. تلك ضغينة لا نجدها في كل مكان طبعا..الجدار المقدس الجديد ! عندما دشنت إسرائيل رسميا أعمال بناء ما تسميه بالحزام الأمني أو كما يسميه الإسرائيليون «الجدار المقدس الجديد»، ثارت ثائرة الفلسطينيين، لأن مشروع «الجدار» لم يكن لحماية أحد كما ادعت إسرائيل، بل جاء لإضفاء طابع العنصرية الجديدة، أشبه بطابع «الابارتايد» الذي كان يسود الحياة العامة في جنوب إفريقيا.. يجب أن نقر بأنها فكرة همجية بأن يقام جدار على طول 115 كيلومتر ، يبدأ من ضواحي «كفر سالم» شمالا إلى غاية «كفر قاسم» التي تبعد عشرين كيلومترا عن شرق تل أبيب.. جدار مشابه في طور البناء في القدس الشرقية وصلت تكاليفه إلى مليون دولار للكيلومتر الواحد.. رقم كبير نشرته الصحف الإسرائيلية ربما لتكشف عن قيمة الجدران في إسرائيل.. الجدران التي يعطى لها صبغة القداسة، و صدقوني هي كثيرة تلك الأسوار العجيبة التي لا تكاد تترك أحدها حتى يقابل كآخر.. ربما تبدو لك تلك الجدران السميكة على شكل طابع الإسرائيليين في محاولة الابتعاد عن الواقع.. يعتقدون أن فصل المناطق اليهودية عن المناطق الفلسطينية كفيل بإيقاف الهجمات التي قصمت ظهر الإسرائيليين وجعلتهم يعيشون هذا الجنون والإحباط معا.. من وجهة نظر جريدة « هآرتز» الاسرائيلية، فإن استعراض الأبعاد الأولى من بناء السور ليست سوى خلفية أخرى لسياسة معقدة و متناقضة.. أثناء الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية، وزراء اليمين المتطرف رفضوا المشروع بقوة، معتبرين إقامة سور بهذا الشكل يمكن جعله حدودا إسرائيلية قبالة الدولة الفلسطينية التي يرفضون الاعتراف بوجودها.. الأكثر غضبا من هذا المشروع هم بلا شك المستوطنون المقيمون في الضفة الغربية.. وزير الدفاع الإسرائيلي في مداخلة تلفزيونية أعلن أن السور الضخم ليس أكثر من «جدار أمني» ولن يكون بأي حال من الأحوال محل جدال سياسي أو دبلوماسي، ويضيف في نفس المداخلة التلفزيونية تصميمه قائلا «هذا الجدار سوف يحقق لنا هدفا ساميا: حماية أرواح الإسرائيليين، لأنه من دون هذا الجدار فسوف نظل نفقد الكثير من الأرواح »!!
الجدال في إسرائيل
«كلام لا أساس له.. لا معنى و لا مصداقية له» تعلق جريدة «جيريزاليم بوست» «هذا يعني أن إسرائيل قائمة على خطأ و أن الشعارات التي حشوا رؤوسنا بها كانت شعارات لصوص استولوا على حق ليس لهم ، بل الأدهى، إعلان عن جدار أمني يؤكد أن فكرة السلام لن تقوم على أسس منطقية على الأقل لأجل الانتهاء من صراع لا يبدو مقنعا عندما صارت الأرواح الإسرائيلية تسقط بهذا العدد الكبير».. جدار أمني دون بدائل دبلوماسية «ليس أمرا مقنعا» تواصل جريدة «البوست» حتى و إن كانت ( الجريدة) توافق على فكرة الانفصال عن الفلسطينيين ، و تدعم التكتل العسكري لحماية المستوطنات البعيدة.. لكن تلك الجريدة تخشى أن يكون الجدار الأمني أشبه بالحدود التي سوف تضعف إسرائيل أكثر مما هي عليه، من خلال فقدانها السيطرة على الوضع ككل».. «موشي أنون» العضو في حزب العمال «قال في كلمة أدلى بها لنا أن» إسرائيل تضرب في الهواء.. الجدار الأمني ليس أكثر من وسيلة أخرى للإعلان عن الفشل العام الذي يجب أن نعترف به.. وعلى إسرائيل أن تحمي إسرائيل من إسرائيل هذا كل ما في الأمر»!
هذا الجدال لم يمنع الولايات المتحدة من التدخل من خلال إعطاء الانطباع أنها ترفض المشروع إن كان سوف يعني تحديد الحدود بينها و بين فلسطين.. معتبرة «أن الحدود نفسها يجب أن تكون وفق مفاوضات ثنائية بين البلدين»..
طبعا كلام فيه العديد من علامات الاستفهام أولها :هل معنى ذلك أن الولايات المتحدة لا تريد حدودا لإسرائيل خارج المناطق المحتلة؟ «الواشنطن بوست» تحدثت عن هذه النقطة بالذات مبدية اعتراضها على أن يكون لإسرائيل حدود خارج المناطق المحتلة حماية لمستوطناتها المبنية أصلا على أرض احتلتها إسرائيل بعد حرب 67.. الاستفهام الثاني أن أمريكا تؤيد بشكل غير علني على اقامة «جدار أمني» إسرائيلي، بدليل أن المشروع تساهم فيه شركة أمريكية بتأييد رسمي من الرئيس جورج بوش» الأب..
جدار الأمن الإسرائيلي لم يصنع الفرقة بين الصحف الإسرائيلية فقط، بل بين الأحزاب السياسية (اليمين واليسار) و بين كل الذين يعتبرون الجدار بداية كارثة قد لا ينظر إليها الآن نظرة صواب.. ربما لأن الكارثة الحقيقية ليست في أن إسرائيل تصنع لنفسها «واقيا أمنيا» كما تعتقد، بل لأنها تريد أن تفرض على الفلسطينيين سياسة «الابارتايد» العنصرية.. تريد أن تبني «سورا مقدسا» و في الوقت ذاته ترشح المشروع على انه تحديد هيكلي لنظام الأمن، بامتداده إلى المدن الفلسطينية ربما..كي لا يموت الشعب الإسرائيلي كما تقول مجمل الصحف.. بينما نعرف أن الشعب الفلسطيني هو الذي يموت كل يوم، ونعرف أن أي مشروع من هذا النوع ليس أكثر من اعتراف ضمني أن الخطر لا يأتي أساسا من عدولا حق له، بل من ذلك الذي يملك كل الحق في المقاومة و هو الذي يريد الفلسطينيون قوله بكل الطرق، بما في ذلك الطرق الفدائية.
الجيتوهات للفلسطينيين
هذا الذي يقلق الفلسطينيين: الجدار الأمني الجديد يباعد بعدة نقاط عن «الخط الأخضر»، المعروفة بالحدود الشرعية العربية لما قبل حرب ( 67 )، بيد أن بناء جدار بهذا الحجم وفقا للرؤية الإسرائيلية سيعني فصل القدس الشرقية عن المجتمع العربي.. القدس التي تعني الكثير بالنسبة للفلسطينيين و للمسلمين ككل..
بهذا السور، سوف تمد إسرائيل رجليها إلى أراضي الحكم الذاتي أيضا، تقول جريدة «القدس» الفلسطينية.. الجريدة تستغرب الرؤى الإسرائيلية التي تبررأمنها عبر شد الخناق على أمن الآخرين وتقول :«إسرائيل مخطئة إن كانت تعتقد أنها ستضع الفلسطينيين في غيتوهات مغلقة و محاصرة، في الوقت الذي فيه تبحث عن أمنها أمن لا يمكن تحقيقه أبدا دون حل عادل للقضية الفلسطينية.. تقول الجريدة.. الملاحظون يعترفون أن «جدار شارون لن يحمي الإسرائيليين».. نتذكر العملية الفدائية الأخيرة التي نفذها فلسطيني متحديا «النظام الأمني» المشدد.. لم تكن العملية عادية.. كانت في ظرف صعب.. الإسرائيليون اعتقدوا أنهم نالوا الأمن أخيرا، و أن كل التواجد المكثف والضخم للبوليس والعسكر ورجال المخابرات سينهي كل شيء.. لكن العملية الفدائية داخل باص إسرائيل غيرت النظرة.. فقد اكتشف الإسرائيليون أنهم لم يضمنوا شيئا.. وأن الجدارالذي بدأت تتضح معالمه ليس أكثر من كارثة.. فلا شيء يوقف الفلسطينيين عن المطالبة بأمنهم هم أيضا.. العالم كله يقر بينه وبين نفسه بذلك.. يعرف أن للفلسطينيين حقا في أرضهم.. يعرف الجميع أنه ليس باستطاعة أم أن ترسل ابنها إلى الموت.. ربما يعتقد البعض أن الفلسطينيات يفعلن ذلك.. الفلسطينيات يحببن أطفالهن كثيرا.. لكن حين يكبر الأطفال تصبح للرجولة معنى جديد..يصبح الاستشهاد أكبر هدف، ليس لأن الفلسطيني يكره الحياة، بل لأنه يكره الظلم.. يكره أن يري بيته مهدما.. يكره أن يرى والده مقتادا إلى مراكز التعذيب.. يكره أن يرى أمه تبكي كل يوم على أحد أو على شيء.. يكره أن يعيش محتلا.. يكره هذا كله، فيصبح قنبلة من لحم و دم.. يحب الإسرائيليون أن يكون لهم جدار مقدس.. كذلك الذي يبكون أمامه كل يوم سبت.. يقولون ان على العالم أن يحمي إسرائيل! منطق فيه الكثير من التطرف ومن الراديكالية الفظيعة.. فيه عنصرية أيضا.. ربما العالم اليوم يدرك أنه انجر طويلا خلف المزاعم الإسرائيلية.. فعلى الأقل من باب إنساني يمكن للعالم أن يعتذر للفلسطينيين الذين لا جدار لهم.. ربما بهذا الشكل فقط يمكن الكلام عن الأمن في المنطقة.. على الأقل لأن إسرائيل ليست على حق هذه المرة أيضا..

عن «كوريير» الفرنسية - خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved