كلما اشتدت وتزايدت حوادث السيارات أصبح الواجب يفرض علينا أن نبحث عن الحلول الجذرية لها، فقد تفاقمت آثارها وتعدت الحدود الطبيعية والمعدلات المتعارف عليها.
وكلما صارت النتائج الناجمة عن هذه الحوادث مدمرة صار من الضروري أن نقف إزاء هذه النتائج بعين الفاحص المدقق، والباحث المحايد الذي لا يكتفي بإبداء الأسف والحسرة على أولئك الأبرياء، بل يحلل الأسباب ويستقصي المهيئات لهذه الحوادث التي تعد وبحق جريمة في حق المجتمع حيث تتعدى آثارها ضحاياها الأبرياء أحيانا الى غيرهم من الأبرياء الحقيقيين.
ومن منا لم يسمع عن فقدان غال عزيز من جراء حوادث السيارات المدمرة من غير أن يكون له أدنى ناقة أو جمل في هذه الحوادث. وكم من مرة طالعتنا الصحف بأنباء مفزعة عن ضحايا هذه الحوادث. وماذا كانت النتيجة؟ المزيد من تلك المفزعات والمزيد من تلك الأنباء غير السارة، وتساقط الضحايا الأبرياء في الوقت الذي تكثف فيه حملات التوعية وتعقد خلاله الندوات وتكثر فيه التحذيرات وتتزايد فيه أيضا مواقف الحزم والعقوبات.
فلماذا لا نفتش معاً عن الأسباب؟ إن هذه الأسباب التي تقف وراء حوادث السيارات ترجعها الدراسات والبحوث إلى عناصر مهمة تتمثل في الطريق والسائق والمركبة. وتضع هذه الدراسات أسباباً فرعية لكل من هذه العناصر المهمة حيث تتشابك وتتعاون لوقوع الحادثة. ولكن ينبغي علينا أن نقف لحظة تأمل لنسأل أنفسنا هل الطرق وحدها تكفي لوقوع الحوادث؟ أم السيارة بمفردها هي التي تتحرك لإنجاز هذا الفعل المدمر؟ بالطبع لا. ذلك لأن العنصر البشري تكون له اليد الطولى في مثل هذه المواقف المحزنة. فما بالنا إذا ارتبط الامر بقائد سيارة لم يتعد بعد مرحلة الطفولة أو تعداها بقليل؟
إن ذلك أدهى وأمر ويمثل في حد ذاته موقفا يحتاج إلى وقفات ووقفات بعد أن استفحل الخطر، وبعد أن أصبحت السيارة في يد الناس وسيلة قتل لا وسيلة نقل.وليس من باب التساؤل ان نقول من الذي يسمح بأن يتولى الصغار قيادة السيارة بل هو من باب الحيرة والدهشة، إذ كيف يخطر ببال الآباء أن يسلموا أبناءهم الصغار مفاتيح سياراتهم ليقتلوا أنفسهم ويدمروا غيرهم؟ وهل يصل الاستخفاف بالأرواح إلى هذا الحد؟
إن قيادة السيارة تحتاج إلى سن ناضجة وإلى مهارة وخبرة في التعامل مع المركبة ومع الطريق، وفي حاجة إلى من يحسن تقدير الأمور الطارئة وإلى من يكون تركيزه أثناء القيادة منصباً على القيادة ذاتها كعملية ذات عناصر وأبعاد مترابطة، كما هي في حاجة إلى قدرات عقلية وذهنية ومعرفية. وهذا وغيره لا يتوافر في الأطفال.وهنا تكون النتيجة الحوادث والقتل والضحايا وغير ذلك من النتائج الاجتماعية المفجعة.
وهنا تبرز أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق الآباء الذين يكدرون صفو حياة أبنائهم وهم في عمر الزهور فيعطونهم مفاتيح الدخول الى أبواب النهاية المحزنة وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً بهم أو يوفرون لهم أسباب السعادة أو يكافئونهم على نجاحهم أو تفوقهم. إن مثل هذا الصنيع ينأى بهم عن سبل الرشاد ويقترب بأبنائهم إلى طريق التدمير والنهاية المفجعة التي تدمر حياتهم وتنغص حياة من يحيطون بهم. فكم من طفل فقد حياته أو فقد أطرافه وصار شاهد عيان أمام أفراد أسرته على حمق تصرف من يفترض فيهم العقل وحسن التصرف والرحمة والعطف والشفقة بهم.
ولعل التساؤل الذي يفرض نفسه علينا هو لماذا يصر بعض الآباء على إعطاء أبنائهم الصغار أدوات لقتلهم؟ هل هو سوء التقدير ام الثقة المفرطة في أن أطفالهم قادرون على أن يأتوا بما لم يأت به آباؤهم؟ أم هو شدة التدليل لأطفالهم؟ أم هو عدم الاكتراث بالرادع الذي يردعهم عن مثل هذه التصرفات؟
ومهما كانت الأسباب فان النتائج التي يصل اليها حال الأبناء الصغار وما تحدثه لديهم من آثار صحية ونفسية هي أشد دليل على أننا في حاجة ماسة لكي نعيد النظر في هذه التصرفات الطائشة التي يروح ضحيتها الأبرياء والتي نفقد بسببها أبناء أعزاء في عمر الزهور. وهذا يتطلب وقفة حازمة رادعة تستهدف منع الجرائم قبل حدوثها، وتضع من العقوبات الصارمة ما يجعل الآباء يفكرون ألف مرة ومرة قبل أن يوفروا لأبنائهم وسائل القتل. كما أن المآسي التي تشهدها ساحة الحوادث تتطلب من وسائل التوعية والتوجيه توفير البرامج الإرشادية الفاعلة التي تخاطب العقل وتحرك العواطف والشعور وتنتقل إلى مواقع الحدث علها تخاطب الناس بواقعية وهم يشاهدون ويتابعون نتائج التهور والطيش وسوء التقدير والتصرف ليمكن لنا أن نخفف من هذه الحوادث وآثارها التي أصبحت شبحا يهددنا، وليمكن أن نعيد للسيارة براءتها لتصبح وسائل نقل لا وسائل قتل.
|