لا أعرف كم هو مناسب هذا التعبير المعلق فوق هذا النص ولكنه بالنسبة إليّ هو أقرب التعابير لوصف حقيقة الموضوع الذي أنا بصدده، فالمخدرات هي في الاساس تدخل الدماغ وتأثر فيه بحيث تجعل متعاطيها يشعر بكم كبير من النشوة في لحظة التناول ولكن على حساب صحته وخلقه ومستقبله. وهذا ما رأيته في بعض الافكار التي تطرح علينا وفي المقالات بين فترة وأخرى. في كثير من الحالات تروج للأماني على حساب الحقائق. نحد من نشر الحقيقة ونحد من تداولها ليس لان لها بعدا سياسيا أو تمس مصالح صاحب نفوذ ولكن لأنها تخالف الاماني التي تتملكنا ونطمح في تحقيقها. كلما تضخمت الاماني صارت أكثر قوة وحضوراً من الحقائق.
المجتمع المغلق يكون دائما عرضة للترويج للأماني على حساب الحقائق. فالناس الذين يرفضون نشر الحقائق التي تمسهم يرفضون بالتبعية الحقائق الاخرى حتى وان كانت لا تمسهم فهم يرون أن كل الحقائق يجب ان تكون تحت إدارتهم وبالتالي يأخذون أي حقيقة بالشبهة، فالحقيقة تجر الحقيقة كالسلسة وفي الوقت نفسه يفضلون عدم التعامل مع الحقيقة بشكلها العاري لكي لا يتعود المخ على التعامل مع الاشياء الصلبة مباشرة وانما مخففة بسوائل الاماني والاحلام.
الغرب يمسك بزمام الامور في هذا العصر بالكامل وليس بقاء العالم الثالث خارج الاستعمار إلا نتيجة تناقض وتنافس الغرب فيما بينهم وإلى حد ما بسبب قوى إنسانية في الغرب نفسه وليس نتيجة قدرات العالم الثالث على حماية مقدراته.
وأكبر دليل هو الصراع بين أوربا وامريكا على العراق فالذي سيمنع الحرب على العراق اما تضارب المصالح الغربية أو قوى الخير في المجتمعات الغربية، ربما يرى البعض أن هذه الحقيقة ماثلة كما هي في اذهاننا ولكن إذا دققنا فسنرى انها ليست كذلك. هذه حقيقة ولكنها غائبة عن اذهاننا أو انها مغلفة بكثير من الاوهام والاحلام والاماني الزائفة مما يجعل هذه الحقيقة مشوشة وغير قابلة للتداول فعندما تقرأ في الجرائد تقرأ أن هناك ندية بين العالم الإسلامي وبين الغرب.. فغالبا ما نقرأ عبارة «لماذا لا نعاملهم بالمثل» أي إذا اتخذوا قرارا يؤثر فينا يجب أن نتخذ قرارا مماثلا يؤثر فيهم والبادئ أظلم وكلما قرأت مقالاً يطالب بأن نعاملهم بالمثل تمنيت من كاتبه أن يضع قائمة بمصالحنا عندهم وبمصالحهم عندنا والأهم قائمة أخرى بعدد اساطيلهم التي تحوم حول بحارنا مقارنة بعدد اساطيلنا التي تحوم حول بحارهم.
هذا النوع من التخدير الإعلامي للناس هو أشد أنواع غسيل الدماغ. لا نترك لأنفسنا مواجهة الحقيقة كما هي نتجاوز الحقيقة لنعيش ما يعرف بالتفكير القائم على الاماني«wishful thinking» وهو اعتقاد المرء ان هذا صحيح لمجرد أنه يتمنى ان يكون صحيحا وهذا هو طريقة تفكير بعض الكتاب في المملكة. تلاحظ انهم يتكلمون من مركز قوة. تحس اثناء قراءة مقالاتهم أنك تنتسب إلى دولة عظمى» كل مقالاتهم قائمة على تساؤلات توحي بالقوة والجبروت كما يفعل الكتاب في امريكا، يطرحون أسئلة واقتراحات لا تعرف يطرحونها على من؟ تقرأ في مقالاتهم دائما: لماذا لا نقاطع بضائعهم؟ لماذا لا نعامل مواطنيهم في بلادنا كما يعاملون مواطنينا على أرضهم؟ لماذا لا نبصمهم كما يبصموننا؟ لماذا لا نمنع عنهم النفط؟ لماذا لا نمنع بوارجهم من العبور في بحارنا؟ إلى آخر هذه الأسئلة الا تعرف هذه الأسئلة موجهة لمن؟ هل هي موجهة للشعب للحكومة أم لقوة خفية لا يعرفها سوى هؤلاء الكتاب. هذا النوع من الكتابة يغسل دماغ الإنسان العادي. إنها أقسى عمليات التخدير والمصادرة.
فاكس 4702164
|