Wednesday 19th february,2003 11101العدد الاربعاء 18 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
النَّصر من الله
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

لايشك مؤمن بربه أنَّ النَّصر من الله، وأنَّ القوة لله جميعاً، وأنَّ الناس مهما بلغوا من القوة والجبروت عاجزون عن التقدُّم خطوةً واحدة حينما يقضي الله بأمره، لأنَّ الله سبحانه وتعالى محيط بكل شيء، مطَّلع على السرِّ وأخفى يعلم ما تتحدَّث به النفوس، وتخفق به القلوب.
هنالك حقائق إيمانية كبرى لا مجال للشك فيها إلا عند من فقد الإيمان، وضلَّ عن سبيل الرشاد، وأعمت بصيرته الأهواء والضلالات.
{الَّذٌينّ كّفّرٍوا وّصّدٍَوا عّن سّبٌيلٌ اللهٌ أّضّلَّ أّعًمّالّهٍمً}.
آية قرآنية تحمل حقيقة كبرى لاشك فيها ألا وهي «ضلال أعمال الكافرين»، والضَّلال انحراف وضياع وهزيمة مهما كانت قوَّة أصحابه المادية.
في الآية الكريمة إشارة الى قوة الذين كفروا مادياً تدل عليها جملة {وّصّدٍَوا عّن سّبٌيلٌ اللهٌ}، إن الذين يصدُّون الناس عن سبيل الله ليسوا ضعفاء ولا فقراء، ولكنهم يملكون من وسائل القوة المادية ما يجعلهم جديرين بصفة «صدِّ الناس عن سبيل الله» وقادرين في أنفسهم على الصدود عن هذا السبيل.
ومع ذلك فإنَّ جزاءهم عند الله أنه «أضل أعمالهم» ومن أضلَّه الله سبحانه وتعالى فقد هلك مهما كان قوياً.
النصر بيد الله سبحانه وتعالى، والخذلان لمن يستحق الخذلان بيده عز وجلَّ. هذه حقيقة كبرى لا يجوز لمؤمن أن يوجِّه إليها سهام الشك والريبة، مهما شاهد من المظاهر التي قد توهم الناس بعدم ثبوت هذه الحقيقة.
يقول تعالى: {إن يّنصٍرًكٍمٍ پلَّهٍ فّلا غّالٌبّ لّكٍمً وّإن يّخًذٍلًكٍمً فّمّن ذّا الّذٌي يّنصٍرٍكٍم مٌَنً بّعًدٌهٌ}؟؟؟ سؤال واضحٌ المعنى والدِّلالة، سؤال استنكار لمن ظن أن الأمر على خلاف ذلك، وسؤال تقرير لهذه الحقيقة الكبرى.
إذا نصر الله عباده المؤمنين المستحقين للنصر فلن يغلبهم أحدٌ أبداً، مهما كانت قوَّة من يحاربهم، فالإثبات للنصر هنا قاطع، ونفي الغَلَبة عن أعداء المسلمين قاطع، أياً كان أولئك الأعداء، لأنَّ العموم يؤكد ذلك «فلا غالب لكم» مهما كان ذلك الذي يخشى أهل الحق منه كبيراً أو صغيراً.
ومقابل هذه الحقيقة، حقيقة اخرى ألا وهي الخذلان الذي يقابل النصر، فإنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي ينصر عباده المؤمنين الذين يستحقون النصر بما هم عليه من رسوخ الإيمان، والاخلاص لله، وصدق التعلُّق به، وهو سبحانه، الذي يخذل عباده الذين لا يستحقون النصر بما يكونون عليه من ضعف الإيمان وعدم الإخلاص لله، وضعف التعلُّق به سبحانه.
وهنا سؤال ذو أبعادٍ ومعانٍ عميقة لا يغفل عنها عاقل ألا وهو قوله تعالى: {فّمّن ذّا الذي يّنصٍرٍكٍم مٌَنً بّعًدٌهٌ}؟.
سؤال للنفي القاطع مع ما فيه من التنبيه ولفت النظر، والمعنى الأعمق لهذا السؤال هو: «لا أحد ينصركم من بعد الله إن أراد خذلانكم»، وفي هذا توجيه قويٌ لنا نحن المسلمين إلى أن تكون علاقتنا بربنا سبحانه وتعالى راسخةً قويَّة وألاّ نغفل عن هذه الحقيقة الكبرى التي نستحق بها نصر الله وتأييده.
«النصر من الله عز وجلَّ» مهما كانت القوى البشرية التي تواجهنا، ومهما كان تفوق الأعداء علينا في العدد والعُدَّة والوسائل المادية المختلفة، ومهما كان الإرجاف والتخويف و«الحرب النفسية» التي لا تجد لها مكاناً في القلوب المؤمنة المتعلِّقة بالله عز وجلَّ.
وفي آية قرآنية أخرى تأكيد لهذا المعنى، وبيانٌ لهذه الحقيقة الثابتة:
يقول تعالى: { إنَّ اللهّ لا يٍصًلٌحٍ عّمّلّ المٍفًسٌدٌينّ، وّيٍحٌقٍَ اللهٍ الحّقَّ بٌكّلٌمّاتٌهٌ وّلّوً كّرٌهّ المجًرٌمٍونّ}.
هنا تأكيد لا يمكن نقضه بأن الله سبحانه وتعالى لا يصلح عملاً لمفسدٍ أبداً، مهما كان ذا علمٍ دنيوي وقدرة عسكرية وهَيْلمة إعلامية، فما دام مفسداً للقيم والأخلاق، والعقائد والأفكار، وما دام مبيحاً للزنا واللواط والرِّبا وإهدار حقوق المستضعفين فإن الله لن يصلح عمله أبداً، ولن يكتب الصَّلاح لما يسعى أو يدعو إليه، لأنه مفسدٌ، والله سبحانه وتعالى لا يصلح عمل المفسدين.
ويتبع ذلك مباشرةً تأكيد الله سبحانه وتعالى للناس جميعاً أنه هو وحده الذي يحقُّ الحقَّ بكلماته ولو كره المجرمون.
ولابد للمتأمِّل للقرآن الكريم أن يقف عند جملة «ولو كره المجرمون» حتى يقف منها على المعاني العميقة التي تحملها.
فالمجرمون هم المفسدون، وهم الذين يصدون عن سبيل الله، ويكفرون به ويسعون إلى تحقيق رغباتهم بعيداً عن تعاليم الشرع، وقواعده وأخلاقه.
ولاشك أنَّ هؤلاء المجرمين يكرهون الصَّلاح وأهل الصلاح، ويعملون ليل نهار لمواجهتهم، وإفساد دعوتهم إلى الحق والخير، ويسعون دائماً إلى الارجاف عليهم، وتشويه سمعتهم لصرفم عن أداء مهمتهم ولصرف الناس عنهم.
كل ذلك يفعله المجرمون، ولكن الله سبحانه وتعالى يحقُّ الحقَّ بكلماته ولو كره أولئك المجرمون المنحرفون عن طريق الصواب.
هنا يجب أن تكون شمس هذه الحقيقة الكبرى ساطعة في قلوبنا، مشرقةً في صدورنا.
النَّصر من الله سبحانه وتعالى.. فلابد لنا من العودة الصحيحة إليه، والتعلق به، وعدم التفريط في تعالم شرعه الحكيم، ولابد لنا من عمل الأسباب، واعداد ما نستطيع من القوة المادية، مع توجيه سهام الدُّعاء التي لا تخطيء أهدافها أبداً إذا نطقت بها أفواه المؤمنين بربهم الواثقين بنصره.
إشارة:


في سهام الدُّعاءِ، والليل داجٍ
قوَّة تجعل الضعيف مُهابا

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved