Wednesday 19th february,2003 11101العدد الاربعاء 18 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«جنون البقر» البريطاني! «جنون البقر» البريطاني!
فيليب جاكي (*)

بانحيازها للحرب ضد العراق، فقدت الصحافة البريطانية صوابها، ونعتقد أنها فقدت مصداقيتها أيضا، فقط لتقف على أهبة الاستعداد للحرب، كما لو كانت جنديا من جنود شارع«دوننغ ستريت».
فقط جريدة ال«اندبندنت»وقفت بشجاعة في وجه جوقة الحرب، وأعلنت رفضها للدمار في منطقة الخليج.. «المشي نحو الحرب صار أمرا محتملا، وربما يقنعوننا بانه لا مفر منه،. القوات الأمريكية والبريطانية صارت في منطقة الخليج. الدبلوماسية تبدو مشتتة أكثرمن أي وقت مضى..السير نحو الحرب صار سببا نفسه لأجل الحرب ذاتها: الآن والقوات المسلحة صارت في الخليج. الآن«جورج بوش»و«توني بلير» استثمرا في هذه الحرب بشكل مذهل، لماذا الانسحاب إذن؟.
«أسئلة تطرحها» الأندبندنت«بشكل ساخر، ليستطرد» توني أوريلي» «إنه الوقت لإنهاء هذه المهزلة» .. الوقت لإجبار الحكومة البريطانية على«توقيف هذاالمسعى الضار» والتفكير بجدية في العواقب التي يمكن للحرب أن تحملها إلينا.. على الحكومة أن تعود إلى عقلها.. لماذا لا تعترض بنفس الطريقة على «إرهاب شارون في الشرق الأوسط ؟» إن كانت نصيحة«توني أوريلي» جادة و ضرورية، إلا أنها تبدو نصيحة ضائعة وسط حجم النار المشتعلة في باقي صحف البلاد ..
«مجموعة الصحف ذات القدرة على التأثير في بريطانيا تبدو منحازة إلى الكارثة« تقول»الأندبندنت«متأسفة .. و ربما جريدة» التلغراف« هي الأكثر ضغينة، إلى درجة النفاق أحيانا في طرح الظرف الدولي الراهن بالشكل الذي تطرحه به.. تمضي التلغراف في ضغينتها اليومية، عبر افتتاحياتها التي تبدو متكررة في نمط الفكرة الداعية إلى الحرب .. تقول في إحداها «لماذا يجب أن تدخل بريطانيا في الحرب ؟ يجب أن يدرك الجميع أن مصالحنا صارت واضحة، كلما اقترب احتمال الحرب في الخليج أدركنا أن لنا مصلحة فيها فليس ثمة حرب يدخلها جيشنا دون أن يكون لنا فيها مصلحة، لأن هدف الحرب في النهاية يبقى حضاريا،وهوإقامة نظام ديمقراطي في العراق»!.
وتقول في افتتاحية أخرى «معظم دول الخليج تنعم بالأمن و الرفاهية،وهي دول صديقة للغرب، كما كانت العراق في السابق، و لكن منذ مجيء صدام حسين إلى الحكم، تغيرت الأمور بتصميمه على البقاء في الحكم، و بتمويله للجماعات الإرهابية .. صدام يدعم الإرهاب الدولي و يجب القضاء عليه ... برنامجه العسكري يوجه خطورته إلى المنطقة .. و طبعا لا يمكن إخفاء حقيقة أن العراق تعد من الموارد البترولية المهمة أيضا، ولا يجب أن نترك هذه الموارد بين أيدي ديكتاتور مثل صدام حسين»..
كيف نتحكم في هيئة الأمم المتحدة ؟!
بنفس اللهجة، تقول«التلغراف» :«هذا الصراع سيسمح لنا بتحديد أشياء مهمة، أهمها تحديد من له الحق في أن يكون زعيما في منطقة الخليج، لا يجب أن نشعر بالخجل .. فالانتصار في الحرب سوف يحقق أشياء مهمة .. سيمنح للعراقيين الحرية ويعطي لدول الخليج تنفسا لديمقراطية حقيقية ..»
الجريدة تعتقد أن الانتصار في الحرب سيمنح أيضا الإحساس بانتصار الحق الدولي، لكن هذا ليس مهما، تقول«التلغراف» «لأن المهم هو انتصار بريطانيا على الأعداء، والقضاء على الإرهابيين هو انتصار للعالم المتحضر» !
صحف بريطانية أخرى تتفق مع هذا العرض، تريد حربا في منطقة الخليج و لا تعرف كيف يجب أن تكون الحرب ممكنة، من دون الخوف من مواقف الدول الأوروبية «أوروبا القديمة» التي انضمت إليها روسيا و بلجيكا.. ليس بامكان الإدارة الأمريكية والبريطانية إعلان الحرب، يجب أن ينضم العالم إلى هذه الإرادة المشتركة..يجب أن تكون الموافقة شرعية من مجلس الأمن، من هيئة الأمم المتحدة .. لكن: كيف التحكم في هذه الأخيرة دون الظهور بمظهر الهيمنة ؟!
لا يجب أن ننسى، أن الصحف البريطانية تلك تتعرض إلى هجوم حاد من القراء الذين يمطرونهم برسائلهم اليومية .. الشعب الإنجليزي يشعر بالقرف، ليس لأن الحرب قد تندلع حقا، إنما لأن صحفهم اليومية تريد اندلاعها و يطالبون الرأي العام البريطاني بالوقوف خلف حكومته في هذه الحرب.. أحد القراء كتب يقول« تتحدثون عن شرف القضاء على الديكتاتورية باللجوء إلى الحرب؟ نعتقد أنه لو رفض صدام حسين التعاون مع المفتشين ستشعلون منطقة الخليج بالنار .. أعتقدأن العالم كله سيدفع الثمن أيضا، في الشرق الأوسط وفي الخليج .. و هذا نرفضه جداً..
التنظيمات الفكرية اعترضت أمام مبنى«التلغراف» واصفة المقالات المحرضة للحرب بالحاقدة ..«بيل سميث» الكاتب الروائي قال في تجمع نظمه المثقفون في العاصمة لندن :«نحن لا ندافع عن صدام حسين كشخص، لكننا لا نريد الحرب التي ستقضي على الأطفال و على النساء و الشيوخ .. نرفض أن تكون هذه الحرب تشكل العدالة على الطريقة الأمريكية.. أمريكا تسمح باغتيال الأطفال الفلسطينيين فكيف نثق فيها؟
«الأوساط المعارضة تأتي من المثقفين و من المحاميين و لكن سرعان ما تخنقها العناوين الصحفية الكبيرة، و المقالات التي ترى أن«توني بلير» على حق..
جريدة«التايمز» تذهب بعيدا حين تعتبر«الحرب على العراق هي الحل الوحيد المتبقي لكي تسود العدالة.. فلا أحد يشك أن الرئيس صدام حسين يطور في أسلحة التدمير الشامل.. لا أحد يثق في السلم، من وجهة النظر البريطانية، لأن الحرب سوف ترسم خريطة جديدة في العراق و في الخليج ككل..و البريطانيون يعتبرون الحرب خيارا حقيقيا يجب استثماره ..حتى دون النظر إلى أن الحرب سوف يصل صداها إلى دول أخرى في المنطقة .. لا أحد يبدو مكترثا بمصير الأبرياء سواء في العراق أو في الخليج .. «التايمز» ترفع من لهجتها أكثر حين تقول« الحرب عادلة و يجب القضاء على أسلحة العراق .. و إن أتيحت الفرصة يجب القضاء على صدام حسين و كل الإرهابيين الذين يساندونه» ..بالفعل هو الجنون البريطاني الذي يشبه جنون البقر.. الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يريدان إقناع العالم أنهما على حق في مسعاهما للقضاء على العراق.. فهم لا يريدون القضاء على صدام حسين فقط. إنما يتحدثون عن العراق بشكل عام .. هذا جنون كبير لا يمكن التعليق عليه بأكثر من عبارة«جنون البقر»،لأنه لا يعترف بأي وسيلة غير الحرب .. يقولون أنهم يريدون ديمقراطية في العراق ؟ كلام سخيف ! عليهم أن يكفوا عن اضطهاد حريات الآخرين ثم يفكروا في ديمقراطية العراق .. نسأل لماذا لا تتطرق الصحف تلك إلى ما يحدث في الشرق الأوسط ؟ «التايمز» وصفت قبل شهر رئيس الوزراء الإسرائيلي« بالرجل الصابر» .. أكيد هي تعني ما تقوله .. و أكيد هي تعطي للعنف الإسرائيلي تبريرا«منطقيا» كما تفعل صحف أخرى مثل«التلغراف» التي تعتبر إسرائيل في خطر طالما يوجد فلسطينيون في المنطقة !
ربما هذه هي العدالة التي يعنيها الإعلاميون البريطانيون .. و يتكلم عنها«توني بلير» حين يشهر إصبعه نحو الكاميرا، ربما لإرهاب العراق !! فهل في بريطانيا عدالة حقيقية لا تقتل الأبرياء ؟ و هل في بريطانيا جريدة لا تقرع طبول الحرب؟

(*) عن«اللموند ديبلوماتيك»الفرنسية خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved