ذهب أحد الأصدقاء من المغرمين بالكرة - أقصد كرة القدم - مسافراً إلى إحدى الدول في مهمة، وتصادف خلال سفره وجود مباراة في هذه الدولة بين فريقين كبيرين فما كان من صديقنا كما يقول إلا أن يذهب إلى الملعب ليكون في صفوف المشاهدين ويجلس ليستمتع بالمشاهدة والمتابعة غير مهتم بأن يتابعها عبر التلفزيون. ومن الطبيعي أن يكون تركيز هذا المغرم بالكرة على متابعة ما يجري داخل الملعب وعلى أرضه، غير أن ما شدّ انتباهه كما يقول أولئك الأطفال الذين يحملون الهاتف الجوال ويستعملونه في أثناء المباراة وبشكل يثير الاهتمام حتى إنه - وكما يقول - إن أصواتهم كانت تختلط بأصوات المشجعين، فماذا كانوا يفعلون؟ وفي ماذا كانوا يتناقشون؟ ليس هذا هو المهم، ولكن ذلك عاد بالذاكرة بصاحبنا بتلك القصة الشهيرة التي كان بطلها أحد الأفراد الذين حرص على أن يتابع إحدى المباريات رغم وجوده في الخارج فجعل من أسرته من يفتح الهاتف طوال المباراة ويجعله بجوار التلفزيون ليتابع المباراة على مدى الساعة والنصف وما بينهما من فترة استراحة، وقد كان ذلك قبل ظهور الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية. وليس هذه هي القضية، بل هي مؤشرات لعدد من القضايا المتصلة بالجوانب الاستهلاكية لخدمات الهاتف سواء كان جوالاً أو غير قادر على التجوال، ويربط ذلك في رأيي بجوانب تربوية وتوجيهية مهمة تتعلق بتنشئة الأفراد على كيفية الاستفادة القصوى من جميع عناصر البيئة وكيفية المحافظة على الوقت وعلى أفضل السبل للتعبير البليغ الذي لا يكلف وقتاً ولا جهداً كبيراً ولا يترك الحكيم حيراناً. وكل هذه المفهومات والقضايا التربوية تنعكس على مستهلك خدمات الهاتف وغيرها من الخدمات، وقد ترتبط أحياناً بشخصية ذلك المستهلك والمستفيد فتؤطِّر نشاطه وسلوكه وتطبعه بل وتصوغه في قالب يجب أن نعيد النظر فيه ألا وهو حب الظهور الذي يقصم الظهور، وهذا يستدعي إعادة نظر شاملة في الأساليب المتبعة في التنشئة والتربية، لنجعل أبناءنا قادرين على الاستخدام الأمثل لما تنتجه التقنية الحديثة في الكثير من المجالات. وبهذه المناسبة فهل نهمس في أذن القائمين على مسؤوليات الاتصال بالتفكير بزيادة تكاليف الخدمة - وليس تخفيضها - كلما زادت مدة استخدام الهاتف، فكرة ربما تكون غير مقبولة بصفة مبدئية... ولكن إمعان النظر فيها قد يرقى بها إلى حدّ القبول والاستحسان.
|