خرجت من امتحان الكفاءة المتوسطة وإذا بي التقي بأحد الطلبة الزملاء العاديين محمد الخنيفر يبدو عليه الهدوء المتسم بالذكاء، وبادرته بالسؤال المعتاد: أوه! محمد كيف عملت مع الأسئلة فرد: والله عملت والتوفيق بيد الله وعندما نظرت إلى ورقة الأسئلة وكانت لم تزل بيده فإذا هي مزخرفة وكأنها صينية من عهد هارون الرشيد، وفي أعلى الورقة توجد صور بعض الشخصيات المعروفة، فقلت له: حتى وقت الامتحانات وانت جالس ترسم اترك عنك هذا وركز تفكيرك للأسئلة فقال ببساطة: ما أقدر!
بدأت السنين تتلو السنين وهذا الفنان يمارس هوايته ولا كأنها إلا مهنته، فلا أقابله إلا وأجد معه كتابا فنيا أو أدبياً.
وفي إحدى الليالي أهدى لي منظراً جميلا عن «تزايد السكان في المستقبل وكيفية علاجها» وكان فعلاً جميلا بحق وعندما سافرت إلى أمريكا أخذته معي وكان من اعجابي به ان وضعته في غرفتي وكان يسكن معي في الغرفة نفسها طالب أمريكي فأعجب بهذا الرسم لما يحمله من فكرة سليمة فشجعني على عرضها على «مدرسي التربية الفنية» هناك فلما عرضتها عليهم قائلاً لهم: ان هذا نوع من الفن اتجه إليه بعض الفنانين السعوديين فوضعت في أحد المعارض التابعة للجامعة.
اعتقد ان هذه الحادثة البسيطة قد تكون برهانا ملموسا لما لهذا الشاب من مواهب قد لا تستطيع ان تفهمها ولكنها حقيقة تخالج نفسه في كل منظر يحيط به.هذا من ناحية، فأما من ناحية حالته النفسية وحالته المادية التي يشكو منها الآن في روما، وتذكرني بكبار العظماء وكيف كانوا يواجهون المشاكل نفسها، فإذا ما نظرت إلى والت ديزني مثلاً عندما كان في أول حياته نجده مراسلاً للصحف والدعايات ويتقبل الإعانات من الشركات حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن.فأملي بهذا الفنان كبير ان يكون والت ديزني السعودية، فنانها المتكلم بواسطة ريشته باسمها.هذه المواهب الفذة التي جاهد صاحبها في تنميتها وتربيتها إذا لم تساعد من قبلنا أخاف ان تخمد وتموت فالشاكل أكبر من ان يتحمل قدر ما تحمل، ولعلمي بأن معالي الوزير له الأيادي البيضاء في مساعدة كل محتاج وكل طالب علم بحق.فأرجو ألا تصل رسالتي هذه إلى الجزيرة إلا وتم تعيينه مبتعثا في إيطاليا ليروي ظمأه من ينابيع الفنون الجميلة.
|