رغم ان أسامة بن لادن قد وصم النظام العراقي بالكفر إلا ان هذا لم يمنع أمريكا من ان ترى في هذا الصوت المسجل الذي ينسب إلى ابن لادن دليلاً على وجود علاقة بين النظام العراقي الحالي وتنظيم القاعدة، وحجة الإدارة الأمريكية كما صرح بذلك ريتشارد باوتشر الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية «ان النظام العراقي والتنظيم الارهابي وجدا على ما يبدو قضية مشتركة وهي الحقد على واشنطن».
لكن هل أضاف ظهور ابن لادن في هذا الوقت نفعاً سياسياً إلى قضية العراق؟ لقد كانت الإدارة الأمريكية لا تدخر أي جهد في جعبتها لكي تثبت حقاً أو باطلاً ان النظام العراقي متعاون بصورة أو بأخرى مع الارهاب وتنظيم القاعدة.. فهذه التهمة هي الموضة الدارجة في عالم السياسة اليوم التي شاعت عقب أحداث 11 سبتمبر، فكل الأقطاب السياسية قد أطلقت من دون تمييز على من يجابهها بالسلاح الارهابي، فروسيا على سبيل المثال لا الحصر اطلقت هذه التهمة على الكفاح الشيشاني، وإسرائيل اطلقتها على النضال الفلسطيني، وهكذا فالإدارة الأمريكية مخترعة هذه الموضة تحاول جاهدة ان تطلقها على العراق، كما قد فعلت في أفغانستان لما اطلقتها على الحكومة الطالبانية.
ولكن يبدو ان القاعدة التي يستند إليها الأمريكان في هذه المرة قاعدة واهية، فإن أيديولوجية النظام العراقي تختلف اختلافاً كليا مع فكر تنظيم القاعدة، ولكن الإدارة الأمريكية، وهي غرقى في بحر اليأس من إقناع العالم بعدالة شن حرب على دولة كاملة السيادة، تحاول ان تتعلق بهذه القشة، كما قال مسؤول عراقي. ويبدو ان موضة الوصم بالارهاب قد تخلى عنها العالم، فجاءت الردود على التعليق الأمريكي بنفي ان يكون هذا التسجيل دليلاً على ان هناك ثمة علاقة بين تنظيم القاعدة والعراق.
ولا ندري عن جدوى النصائح الدينية والعسكرية الدينية أيضاً التي أسداها ابن لادن للعراق، لكن الخنادق المحفورة لم تفد تماماً الجيش العراقي عندما كان محتلاً للكويت، فقد قضي على معظمه من جراء قصف الطائرات المقاتلة.
لكن حديث ابن لادن وارتباط اسمه ولو نظرياً بقضية العراق قد يضر بشعبية هذه القضية لدى الشارع الأوروبي على المدى البعيد، فمن دون شك ان شخصية مثل شخصية ابن لادن ليست محبوبة في الشارع الأوروبي، إضافة إلى ذلك فالشارع الأوروبي ويُستقرأ هذا من تاريخ الحروب التي خاضتها أوروبا ومن مدى كثافة المظاهرات التي يقوم بها هو العامل المرشح الأقوى لمنع هذه الحرب أو وقفها في حالة قيامها.
حتى دعوات التحريض التي صدرت في هذا التسجيل لن تجدي فتيلاً في منع الإدارة الأمريكية من عزمها على ضرب العراق، ولكنها إذا فعلت فعلها وقامت بعض الجماعات الإسلامية بأحداث عنف في هذا الوقت فستضر بالتالي القضية العراقية، وستستغل من قبل الصقور في الإدارة الأمريكية، وهذا ما حدث تماماً بعد حادث 11 سبتمبر الأمريكي.
ففي ظهور ابن لادن بعد سكوت طال لمدة شهر في 6 اكتوبر السنة المنصرمة حرض على «الجهاد» ضد أمريكا، وفي نفس اليوم أُغرقت البارجة الفرنسية، وبعد يومين أُطلقت النار على بعض افراد البحرية في الكويت، وفي 26 اكتوبر وقع الانفجار الشهير في جزيرة بالي، وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تتوقع أحداث عنف وتبقي على حالة الاستنفار والترقب على أهبتها «المستوى التحذيري الثاني».
وما سيحدث من أحداث عنف في هذا الوقت سيضع القضية العراقية على شفا هاوية، وسيجعل أصوات طبول الحرب أقوى من ذي قبل، والأسابيع المقبلة ستبدي لنا ما كنا نجهله..
سليمان علي السلطان
|