الحج هو مؤتمر المسلمين الجامع، الذي يتلاقون مجردين من كل آصرة سوى آصرة الاسلام، في هذا المحفل الكريم، متجردين من كل سمة إلاّ سمة الإسلام عرايا من كل شيء إلا من ثوب غير مخيط ولا يُميّز فرد عن فرد، ولا قبيلة عن قبيلة ولا جنس عن جنس، فالإسلام وحده هو النسب الجامع، الذي يمثل وحدة المسلمين.
إن من نعم الله تعالى علينا في هذا الزمن أن يسّر لنا سبيل الوصول إلى بيته الحرام، حتى غدا من يسكن أبعد نقطة في العالم يجد نفسه في بضع ساعات في بيت الله الحرام بالمقارنة مع ماكان يتحمّل من مشقة وأخطار فيما سبق، أضف إلى ذلك نعمة الأمن والطمأنينة التي يعيشها الحاج.
فعلى الانسان أن يغتنم هذه الفرصة ويبادر في أداء فريضة الحج، وليعلم الحاج أن للحج معاني ومقاصد ودلالات ينبغي أن يتعرّف عليها.
إن في إحرام العبد في رداءين أبيضين تذكيراً له بادراجه في الكفن، فهذا سفر إلى عرفات، وذاك سفر إلى الموقف العظيم، فإذا لبست الإحرام ذكرك بالكفن الأبيض.
ومن معاني الإحرام المساواة، فالغني والفقير والشريف والوضيع كلهم يلبس الإحرام بلا تمييز.
إن الحج هو ملتقي المسلمين من كل مكان، ومن كل فج عميق، فيه يجتمعون على صعيد واحد، ويدعون ربا واحداً، كلهم قد ترك أهله وماله، وجاؤوا طمعاً في مرضاة ربهم.
أليس هذا الركن يدل على عظمة هذا الدين الذي وحّد القلوب، بحيث تلهج بذكر الله «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك له لبيك».
وفي هذا الموقف العظيم يقف الناس في خشوع وخضوع، فلا عظمة إلا لله ولا كبرياء إلاله سبحانه.
لذلك كان يوم، عرفة هو ركن الحج الأعظم حيث يتجلى الله تعالى لعبادة فينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله ويباهي بهذا الجمع العظيم ملائكة السماء، حيث يقول: «انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة».
إنه الموقف العظيم الذي تنهمر فيه الدموع وتسكب فيه العبرات.
في صعيد عرفات الطاهر وقف نبينا عليه السلام ينادي: يا أبابكر يا قرشي يا سيد أنت وبلال الحبشي أخوان.
هذه بعض معاني الحج، وهي غيض من فيض وقليل من كثير، ومن كان هناك مع الحجيج فسوف يعيش هذه الأجواء الطاهرة على صعيد عرفات وفي سهل مزدلفة وبين جبال منى وحول البيت الحرام.
لقد كان من عجائب حجة رسول الهدي عليه السلام أنه خطب في أكثر من مائة ألف حاج غير النساء والأطفال.. كما يقول الشيخ محمد عبدالله بن معيذر ومع أنه لم يكن عنده مكبّر صوت إلا أن الله تبارك وتعالى أسمعهم جميعاً وهم في أماكنهم، وقال عليه السلام في يوم النحر لأصحابه: أيها الناس خذوا عني مناسككم، لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» فعرف الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعهم إلى لقاء ربه، فارتفع البكاء والضجيج وكثر النحيب، فسُميت حجة الوداع.
إن المؤمن ليقف أمام خطبة الوداع، فلا يكاد ينتهي من استعراض ما تحمله من ثناياها من حقائق كبيرة وتوجيهات عميقة وقيم ومبادىء.
* الآية أعلن سبحانه إكمال العقيدة، وإكمال الشريعة فهذا هو الدين.
اللهم اقبل منا أعمالنا خالصة لوجهك الكريم واقبل من الحجاج حجّهم وأعدهم إلى ديارهم وبلادهم سالمين غانمين.. آمين آمين.
|