Tuesday 18th february,2003 11100العدد الثلاثاء 17 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مستقبل المنطقة وضبابية التصورات مستقبل المنطقة وضبابية التصورات
د. ناصر بن عبد الله الغالي

يساورني الشك في وضوح تصورات ما بعد الحرب لصناع القرار في واشنطن وللمراقبين وللمحللين في كل مكان.
سير الأحداث وتطورها يدل على ضبابية الوضع وعدم وضوح الأهداف.
الهدف في بادئ الأمر كان الحرب على الإرهاب ثم بدأت الدعوة الى التركيز على دول محور الشر ومن ثم بدأت الاتهامات توجه للنظام العراقي وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل.
ومن ضمن الأسباب تمت الإشارة إلى الثأر الشخصي ثم تم التحول إلى وجوب نزع سلاح العراق لتهديده أمن جيرانه وأمن إسرائيل وحتى أمن الولايات المتحدة، وأخيرا لعلاقته مع تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن ووجوب حماية تركيا من تهديد العراق ونظامه. إذا كانت الأسباب الداعية للحرب غير واضحة المعالم وغير مقنعة فمن باب أولى الاستنتاج بأن ما سيتلو الحرب سيكون أقل وضوحا وأكثر غموضا وضبابية.
منطق القول يحتم أن صانع القرار الأمريكي يعرف تكلفة الحرب وذيولها وانعكاساتها وتبعاتها المترتبة على دخولها وأن دعوتهم وتخطيطهم للحرب ليس بحديث المرجّم كما في بيت زهير المشهور:


وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجّم

ولكن يبدو أن هناك تخبطا وتناقضا وتسرعا أحيانا في تصريحات كبار صناع القرار في البيت الأبيض مما يستدعي نفي بعض التصريحات أو حملها على معان أخرى غير معاني السياقات التي قيلت فيها وهذا ما يزيد من شك المراقبين ومحللي الأحداث ويثير أسئلة استفهام كثيرة حيال مستقبل قادم الأيام. ولعل من أوضح الأسئلة وأبرزها هو السؤال عن مهمة الحرب القادمة: فهل مهمتها وهدفها هو إسقاط نظام صدام حسين أم أن هناك ترتيبات أخرى بعد سقوط النظام؟
مستشارة الأمن القومي تقترح بأن آبار البترول سيتم الاستيلاء عليها وحمايتها من صدام حسين، وهناك أقوال بأن الجيش الأمريكي سيتولى تشغيلها والصرف منها على الشعب العراقي وعلى إعادة إعمار العراق.
وزير الخارجية يصرح بأن حكم العراق المسلم من قبل جنرال أمريكي لن يطول أمده، وله تصريحات أخرى بعزم الإدارة الأمريكية على تشكيل منطقة الشرق الأوسط بما يتناسب مع الأهداف الأمريكية.
والسؤال الذي يفرض نفسه أنه في حال ضرب النظام واحتلال العراق فكم سيستمر الوجود الأمريكي هناك؟ سؤال آخر أكثر أهمية وآمل أن يكون صانع القرار الأمريكي قد توقع إجابته بشكل جيد وهو: هل يرضى الشعب العراقي بإدارته من قبل الأمريكان، وهل سيسكت على ذلك؟ وإذا لم يسكت فهل سيتحمل الأمريكيون ذلك؟ وهل يعرفون طبيعة الشعب العراقي حق المعرفة؟ تساورني الشكوك كثيرا في هذه القضية. نعم إنها الحرب متى بعثت. ... «متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضر إذا ضريتموها فتضرم».
تصور نوع الحكومة القادمة التي تتسلم مقاليد الأمور في العراق هو نوع من الأمور الغامضة أيضا وكذلك مدى تعاون الأمريكان مع فصائل المعارضة العراقية وهل يثقون فيهم لدرجة أن يقوموا بتسليمهم قيادة الأمور في العراق؟ الحرب تقترب بسرعة هائلة وكلما اقتربت تكشف قصور التصورات لما هو آت. حتى لدى صانع القرار الأمريكي يبدو أن الغموض والحيرة يحجبنا الرؤية لما هو قادم في الأيام التالية فأمور مثل تكلفة الحرب ومداها الزمني واستمرارية الوجود من عدمه ونوعية الحكومة التي ستتسلم الأمور في العراق كلها أمور غير محددة وغير واضحة المعالم. دخول الحرب بقرارالأمم المتحدة أو العمل بشكل انفرادي خارج أنظمة الأمم المتحدة أعتقد أنه من الأمورالمؤثرة في تسيير الأمور في هذا الشأن.
العمل بشكل انفرادي يزيد من عزلة الولايات المتحدة المعزولة أصلا مما يعطي الدول مبررا لعدم التعاون مع الولايات المتحدة ومن ثم الامتناع عن المشاركة في تكاليف الحرب مما يزيد الضغط على الجانب الأمريكي ويحمله منفردا تكلفة الحرب وفي حالة مثل هذه فهل تسمح واشنطن للمعارضة أو أي حكومة عراقية بغض النظر عن هويتها بالتحكم في مقدرات العراق؟ وأين مصلحتها؟ وأين المكاسب التي ستجنيها من هذه الحرب؟ وأين المصالح التي أشار إليها كولن باول؟
خاتمة القول إن البحث في هذه القضية لا يزيد الأمر إلا غموضا وحيرة وليس هناك من إجابة إلا الانتظار لنرى ما سيسفر عنه قادم الأيام ولننظر ما يدبره مدبر الليل والنهار.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved