من الظلم أن تُعزل النظريات الاقتصادية عن البعد الاجتماعي عند تصديها لمعالجة قضايا الاقتصاد الجزئية والكلية، ويسود اعتقاد خاطىء لدى كثير من غير المتخصصين في الاقتصاد، أن النظريات الاقتصادية لا تعطي البعد الاجتماعي وزناً مهماً. هذا الاعتقاد خاطئ لأن النظريات الاقتصادية في تكوينها الأولي ترتكز على فرضيات أساسية لا يمكن أن تستقيم بدونها، وبعض هذه الفرضيات ترتبط ارتباطاً وثيقا بالبعد الاجتماعي باعتبار أن الإنسان هو محور ارتكاز النظرية الاقتصادية. ولأن الإنسان هو الوسيلة والغاية من نمو وتنمية الاقتصاد، وبحكم كونه مخلوقا كرمه الله عن سائر مخلوقاته وجعله خليفته فوق هذه الأرض التي تُعنى بمواردها النظريات الاقتصادية، فإن بناء النظرية الاقتصادية والتحكم في نهجها للوصول إلى معايير عامة يمكن الاستدلال بها لشرح وتحليل الظواهر والقضايا الاقتصادية المختلفة يتطلب وضع فرضيات ترى هذا الإنسان في شكل أنموذج قياسي يفترض فيه العقل والحكمة والمنطق.
ولعل هذه الرؤية هي التي تؤصل الاهتمام بالبعد الاجتماعي في النظريات الاقتصادية، وبدونها تكون هذه النظريات بعيدة عن النهج العلمي الذي يعتبر ركناً مهماً في علم الاقتصاد الحديث، خاصة بعد أن تطور نهج هذا العلم وأصبح يميل إلى التحليل الاقتصادي الرياضي والقياسي، وهو ميل محمود ومطلوب ويحسب لتطور هذا العلم وخصوصيته وتفرده. وهذه الرؤية تؤكد ذلك الاعتقاد الخاطئ وتبرر الدعوة الى رد الظلم وتفهم النظرية الاقتصادية باعتبارها تفاعلاً علمياً وعملياً مع الظواهر والقضايا الاقتصادية المعاصرة. وتتميز بعض النظريات الاقتصادية بنهج واقعي يؤكد البعد الاجتماعي من حيث إنها تبنى على تجارب ومعطيات حقيقية من واقع المجتمع، ومنها النظريات التي تعالج بعض مظاهر الخلل في الاقتصاد الكلي من خلال تحليل بيانات البطالة ومستوى الأسعار.
ولا يمكن أن نفصل، عملياً، بين هذه المؤشرات الاقتصادية وبين بعدها الاجتماعي لأنها في واقع الأمر تمثل رؤية المجتمع الذي تتكون فعالياته من المنتجين والمستهلكين في الوقت نفسه وعلى حدٍ سواء، وبالتالي هم مبتدأ النظرية الاقتصادية ومنتهاها، وإذا كانت هذه العلاقة تبدو وكأنها علاقة ضمنية في بعض فروع علم الاقتصاد، إلا أنها تتضح كعلاقة أساسية وجوهرية في معظم النظريات الاقتصادية التي تؤطر للنمو والتنمية الاقتصادية وتعرف في مجملها باقتصادات الرفاه. وهي مرحلة يتطلع إليها كل إنسان وتضعها النظرية الاقتصادية في قالب يمكن ان تنصهر فيه موارد المجتمع لتحقيقها. ولعل هذا هو القول الفصل الذي يعيد للاقتصاد حقه المشروع وللنظرية الاقتصادية مصداقيتها وبعدها الاجتماعي.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض
|