عطفا على موضوع «المعالجات الإعلامية للمشكلات العربية» الذي طرحته مؤسسة الفكر العربي كأحد أهم محاور مؤتمرها السنوي الأول المنعقد -برئاسة سمو الأمير خالد الفيصل- في القاهرة خلال شهر شعبان الماضي والذي تشرفت بحضوره، ورغم اشتداد ضراوة الحملة الموجهة إلينا كعرب ومسلمين على المستوى الإعلامي في الغرب، صناعة صهيونية خالصة لتشويه صورتنا، بل ورغم الجحافل العسكرية التي تهدد أمن المنطقة العربية كأقرب الدوائر من شبة نار الحرب، حتى أنه لم يعد معروفاً على وجه اليقين من هو التابع ومن هو المتبوع، في تلك العلاقة الغريبة المثيرة بين الحكم العنصري في إسرائيل وبين الامبراطورية الجديدة، إلى حد إمكانية تصديق ما أعلن الاسبوع الفائت في كومة الأخبار التي تذاع عن الحرب المزمعة، من ان هذه الحرب الضروس التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد بلاد الرافدين، وتزعزع بها أمن المنطقة العربية كلها، هذه الحرب ما هي إلا حلقة في مسلسل تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد من النيل إلى الفرات. أقول رغم هذا الظرف التاريخي الدقيق الذي تمر به الأمة (جمعاء) فلا تزال بعض منابرنا الإعلامية العربية، وقنواتنا الأرضية والفضائية، سادرة ليس في رأب الصدع العربي والتسديد والمقاربة بين أرجاء الوطن الكبير بالتوحد المتقازم بالشتات، ولكن في توسيع شقة الخلاف العربي العربي، وبذر الفتن بين الشعوب والحكام داخل البلد الواحد، حتى إن بعضها يُتهم صراحة بالتبعية للطرف المناوئ لنا جميعاً نحن العرب.
والعجيب ان من يتولون كبر هذا الإفك الأثيم منسوبون إلى دائرة الفكر العربي، محسوبون على قوة الدفع لهذه الأمة.
ومما يساعد على الترويج لسموم هذه المنابر الإعلامية ذلك النفور (الفطري) بين الإنسان -خاصة في مرحلة الشباب- وبين السلطة بأشكالها المتعددة، ابتداء من سلطة الوالدين في البيت، مروراً بسلطة المدرسة والجامعة وانتهاء بسلطة المجتمع أياً كانت هذه السلطة، وهو نفور سرعان ما يتحول لدى الكتلة السوية في المجتمعات إلى ولاء لكل السلطات السابقة، وهذا الولاء يقوم على تفهم صحيح لحقائق الأمور. ويروي جمال عبدالناصر انه خرج يوما -وهو بعد طالب في المرحلة الثانوية- من مدرسته في الاسكندرية عائداً إلى بيته وفجأة وجد مظاهرة حاشدة في ميدان المنشية، ووجد نفسه ينحشر -تلقائياً- وسط الجماهير، ويهتف مثلما يهتفون دون ان يدري عن المظاهرة وأهدافها شيئاً!!
وفي سياق فلسفة الإعلام المأجور استُهدفت السعودية كثيراً، وهرع من الاخوة الشرفاء نفر إلى المداخلة في برامج الاستهداف يردون غيبة الوطن في هذه المحافل المشبوهة، وإنه لعمل محمود ان يتحمس الإنسان للدفاع عن وطنه إذا ما تعرض للتشويه والتزوير كما يجري الآن على بعض الشاشات العربية، لكن الأجدر ان ننتبه إلى ان مثل هذه البرامج إنما تقوم على الاتصال المباشر بجمهور المشاهدين، وكلما تلقى البرنامج اتصالات أكثر - مع أو ضد- كلما ذاع صيته وشاعت أكاذيبه أكثر وأكثر، أما إذا انقطعت الاتصالات وخرس الهاتف فإن انفاس البرنامج تنقطع ويموت فوراً بالسكتة القلبية! وهكذا يصبح الامتناع عن المداخلة في مثل هذه البرامج - من وجهة نظري- واجباً وطنياً.
|