تتتابع الاحداث السياسية في منطقة الخليج ومعها يستمر المراقبون والمهتمون بأسواق النفط في تتبع حركة واتجاه الانعكاسات المستقبلية على اسواق البترول العالمية ومتغيراتها المختلفة.
ففي الوقت الذي حذرت فيه وكالة الطاقة الدولية من احتمالي تراجع المعروض النفطي العالمي في حالة تعطل الانتاج العراقي واستمرار انخفاض معدلات الانتاج في فنزويلا، فان المخاوف تظل قائمة في حالة عدم حدوث ذلك وفي حالة التوصل الى حل سلمي للمشكلة العراقية. فلو استطاع المنطق السياسي السليم ان يفرض نفسه في هذا الجو الملبد بالمتناقضات السياسية، ولو استطاعت الحكمة السياسية ان تتغلب على النزعة العسكرية للولايات المتحدة الامريكية، فإن من المتوقع ان تتبدل المخاوف بحالة تفاؤل عالمية ربما تسهم في احداث تحول كبير في آلية التعامل مع القرار الاستثماري والانتاجي والتسويقي في الاسواق النفطية. فمن التوقعات المستقبلية التي ربما تتحقق في حالة حل المشكلة العراقية بشكل سلمي ان تتسابق الدول النفطية الى زيادة انتاجها وتجاوز حصصها المقررة لاستغلال السعر المرتفع قبل انخفاضه المتوقع مما قد يؤدي الى خلق فائض كبير في المعروض النفطي العالمي وضغط متواصل على الاسعار النفطية باتجاه الانخفاض المستمر.
واذا كانت معدلات النمو الاقتصادي العالمي لازالت تعاني من الانخفاض المستمر مما اسهم في استمرار الطلب على النفط عند مستوياته المنخفضة، فان من المنطقي قبول فرضية عدم قدرة اسواق النفط العالمية على امتصاص الزيادة المتوقعة في العرض العالمي وبالتالي تعريض الاسعار النفطية الى احتمالية الانخفاض المتسارع. واذا اخذنا في الاعتبار الزيادات الحالية في انتاج خليج المكسيك والبرازيل وروسيا وكندا مما ساهم في زيادة الانتاج العالمي من خارج المنظمة بما مقداره حوالي 368 مليون برميل يومياً، فان من المقبول الاعتقاد بامكانية حدوث حالة نفطية مشابهة لتلك التي حدثت في اوائل الثمانينيات والتي كانت تعرف بالتخمة النفطية Oil Glut مما قد يؤدي الى صعوبات مالية وهيكلية للدول المصدرة للنفط والى خسائر كبيرة للشركات النفطية. ومن هذا المنطلق اجد ان منظمة الاوبك التي يناديها العالم في الوقت الراهن بضرورة اداء دورها المطلوب في مجال المحافظة على استقرار الاسواق النفطية في حالة نشوب حرب عسكرية في منطقة الخليج، مطالبة ايضا بالتنسيق مع الدول ذات النفوذ السياسي القوي لحماية السوق النفطية من احتمالي الانهيار الكبير في حالة عدم نشوب حرب عسكرية في المنطقة.
واعتقد هنا ان منظمة الاوبك يمكن لها ان تستفيد من حرص الشركات النفطية العالمية وبشكل خاص الشركات الامريكية على صيانة مكاسبها النفطية واسهمها العالمية لدعم تحركاتها الدولية ولوضع خطة استراتيجية بديلة يشترك في تنفيذها الدول الاعضاء في منظمة الاوبك والدول المنتجة من خارج المنظمة كاجراء وقائي لمواجهة المخاطر المستقبلية التي يمكن ان تتعرض لها الاسواق النفطية. وفي هذا الشأن اشير الى ان التجارب السابقة قد اثبتت ان الاسعار النفطية تستجيب للمتغيرات المؤدية لانخفاضها بمعدلات اكبر من تلك المؤدية لارتفاعها نتيجة لتزايد دور المضاربين في الاسواق النفطية مما يعني اهمية مضاعفة الجهود لتخفيف اثر احتمالية تبدل الحالة في الخليج من حالة الحرب الى حالة السلم ولوقاية اقتصاديات الدول المصدرة للنفط من مخاطر الانخفاض الكبير في الايرادات النفطية. فهل نشاهد تحركاً دولياً لتحقيق الاستقرار المنشود في الاسواق النفطية؟ نتمنى ذلك.
|