نبهت التظاهرات المليونية الهادرة عبر عواصم العالم إلى قوة الرأي الجماهيري الذي ظل كامناً طوال أيام تفاعل الأزمة بين العراق والولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن التظاهرات لم تتوقف يوماً في أنحاء متفرقة من العالم، إلا أن خروج عدة ملايين من الناس في يوم واحد منددين بالحرب أبرز القوة الهائلة لهذه التظاهرات التي تضاءلت معها بل واختفت التصريحات النارية التي كانت تخرج بصفة يومية من واشنطن ولندن، أبرز المنادين بهذه الحرب.
وتلقي هذه التظاهرات بمسؤوليات على كافة اطراف الأزمة، فبالنسبة لمعسكر الحرب المتمثل في الولايات المتحدة وبريطانيا رأينا كيف أن رئيس الوزراء البريطاني حاول التصدي للتيار الهادر لتظاهرة لندن المليونية، لكنه اتخذ في النهاية موقف المدافع حيث تراجعت لديه تصريحات التهديد والوعيد.
وبالنسبة للعراق فإن التظاهرات ذات التوجه السلمي تفترض أن يستمر التعاون الذي يبديه العراق مع المفتشين الدوليين وهو التعاون الذي أكد وجوده كل من كبير المفتشين هانز بليكس ورئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية محمد البرادعي.
ويبقى من المهم ان يستمر هذا الضغط الجماهيري وبذات القدر من العنفوان والقوة ليسجل موقفاً دائماً ضد الحرب، ومن المهم ايضاً ابتكار الوسائل التي تعزز من حضور هذا العمل الجماهيري.
واللافت في التظاهرات أنها كانت أكبر حجماً وأعلى صوتاً في الدول التي تؤيد خطط الحرب الأمريكية ربما لتعويض المواقف المؤيدة للحرب لدى الحكومات: البريطانية والإسبانية والإيطالية حيث شهدت كلٌّ من هذه الدول تظاهرات مليونية.
وتضع هذه التظاهرات الديموقراطية الغربية على المحك، فهؤلاء الذين شاركوا وبالملايين في المسيرات في الدول الغربية هم الذين جاؤوا بالقوى الحاكمة، وعلى هذه الحكومات أن تكون أمينة لرغبات وتطلعات ناخبيها وهي تطلعات تدور حالياً حول السلام ونبذ الحرب.
لقد تلقى دعاة الحرب تحذيرات عدة في بحر الأسبوع، ففي جلسة مجلس الأمن سمعوا كلاماً مناوئاً للحرب،
وهم الآن لا يستطيعون تجاهل التظاهرات الهادرة التي تجوب شوارع مدن العالم، وعلى قادة الحرب أن يتحلُّوا بقدر من الحصافة لقراءة الأوضاع بصورة متأنية تتيح لهم استيعاب الإحساس الواسع المناهض للحرب.
|