Monday 17th february,2003 11099العدد الأثنين 16 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مثلٌ من الخُلُق الأمريكي مثلٌ من الخُلُق الأمريكي
عبدالله الصالح العثيمين

أكتب هذه السطور في صباح يوم الجمعة وكثير من الناس يترقبون ما سيقوله رئيسا المفتشين الدوليين، هذا اليوم في مجلس الأمن الموقر جدا حول ما قام به أولئك المفتشون حتى الآن في العراق.
وكل من تأمل وضع هذا المجلس ماضياً وحاضراً يكاد يسلم بصحة الوصف الذي وصفته به كوريا الشمالية، وهو أنه مجرد يد لأمريكا وقبل أكثر من عشر سنوات قلت عنه ما يقرب من هذا الوصف في إحدى القصائد:


تملك الدنيا وتحكمها
بعصا الإذلال والدخن
دولة من كيدها ملئت
جنبات الأرض بالمحن
مجلس الأمن الذي زعموا
كيفما شاءت له يكن
وأمين من صنائعها
نصبته غير مؤتمن

ويكفي دليلاً على صحة ذلك عدد المرات التي استعملت فيها أمريكا حق النقض في المجلس المذكور ضد مشروعات القرارات المنددة بجرائم الدولة الصهيونية.
على أني لا أترقب ما يترقبه الكثيرون من أقوال في مجلس الأمن ذلك أني مقتنع تمام الاقتناع أن أمريكا الموجهة عملياً لهذا المجلس منذ نشأته تملكها جنون العظمة إلى درجة أنها أصبحت تصرح بعزمها على القيام بما تريد القيام به أيدها من أيدها أو عارضها من عارضها من أعضائه والناس أجمعين، وذلك أني مقتنع تمام الاقتناع أيضاً أن الدولة الثملة بجنون العظمة قد قررت - منذ زمن- أن تحتل العراق لتعمل فيه، ثم في منطقة الخليج العربية الغنية بثروتها النفطية التي باتت مشلولة الحركة ما تريد، سواء جاءت أقوال رئيسي المفتشين وفق ما أرادت أو لم تأت. بل أكاد اعتقد أن مجيء المفتشين السابقين الذين ثبت أن بعضهم كانوا جواسيس لها وللكيان الصهيوني أو القائمين بالتفتيش حالياً في مقدمة أهداف أمريكا من عملهم أن تطمئن إلى عدم قدرة العراق على الدفاع عن نفسه ضد عدوانها هي ومن اتبعها من الغاوين. وإن أي عاقل ليدرك أنها تفضل أن يكون احتلالها للعراق سهل المنال يسير التنفيذ. بل ان أمكنها ألا تخسر جندياً أمريكياً واحداً في عملية ذلك الاحتلال، وتحقق لها أن تجعل من أفراد جيوش الدول المجاورة للعراق وأبناء الشعب العراقي دروعاً بشرية ضد أي مقاومة لاحتلالها فإن هذا مما يسرها بطبيعة الحال ولا يهم ما سينال تلك الدروع وشعوبها من أذى.
إن أهداف أمريكا في العراق والمنطقة الخليجية الغنية بمواردها النفطية واضحة كل الوضوح للمتابع للأحداث منذ زمن ثم أصبح أعمدة حكمها يتباهون بتوضيحها غير مكترثين بالآخرين، وبخاصة العرب الذين قضوا على إرادتهم بأيديهم، وضيعوا أنفسهم بأنفسهم. ومن يقارن بين مواقف بعض الدول الأوروبية شعوباً وقادة ومواقف بعض الدول العربية شعوباً مهمشة وقادة مستكينة يدرك مدى ذلك القضاء وهذا التضييع.
لا اظن عاقلاً يصدق أن أمريكا تريد خيراً للعراق وأهله ولا للأمة التي ينتمي إليها أو أنها لا تريد السيطرة على ثروته ثم تسيير المنطقة التي حوله وفق مصالحها ومصالح دولة الصهاينة المحتلة لفلسطين المرتكبة أفظع جرائم الحرب ضد شعبها، المتخمة بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل.
ولقد أوضح بيكر في مذكراته أنه كان في مقدمة الخدمات التي قدمتها أمريكا للكيان الصهيوني القضاء على قوة العراق الذي كان يمثل الخطر الاستراتيجي الحقيقي على ذلك الكيان. ولهذا فإني لا أظن عاقلاً يصدق أن العراق بعد عشر سنوات من ذلك القضاء والحصار المحكوم عليه قادر على الدفاع عن نفسه أمام حشود أمريكا وتابعتها الثعلب الماكرة.
ومن هنا فإني لا أظن عاقلاً يصدِّق ما يروَّج الآن من أقوال تسخر بالعقول والأفهام من احتمال وجود خطر عراقي على جيرانه، شمالاً أو جنوباً أو غرباً، إذا وقع العدوان الأمريكي البريطاني عليه.
إن كل عاقل يعرف أن تركيا وحدها أقوى من العراق، ماضياً وحاضراً فكيف والعراق قد سبق أن قضي على قوته، وهو الآن يواجه أعتى قوة بشرية؟
أتجاوز ما يترقب حدوثه هذا اليوم إلى إيراد حديثٍ عن مثلٍ من الخُلُق الأمريكي نشره قبل ستة أشهر جيرمي سكاهل في مجلة كاونتر بنش بعنوان: ماذا عن تلك الأسلحة الكيماوية؟
بدأ ذلك الكاتب مقالته بايراد عبارة لرونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي تقول: «إن الإنسان والسلحفاة شبيهان جداً فكل منهما لا يحقق أي تقدم بدون إبراز رقبته». وبدايته بعبارة الوزير مردها فيما يبدو أن المقالة مركزة على الحديث عن هذا الوزير.
ومما ورد في تلك المقالة ما يأتي:
قبل خمس سنوات من استعمال صدام الغازات السامة ضد الأكراد عام 1988م حدث لقاء مهم في بغداد أدى إلى ارتباط وثيق بينه وبين واشنطن وكان حدوثه في وقت اتهم فيه صدام - لأول مرة- باستخدام أسلحة كيماوية ومهد ذلك اللقاء لاعادة الدبلوماسية رسمياً بين العراق وأمريكا.
وكانت تلك العلاقات مقطوعة من عام 1967م فعندما اشتدت حدة الحرب العراقية الإيرانية بعث الرئيس الأمريكي ريجان رامسفيلد الذي كان وزيراً سابقاً للدفاع إلى صدام حاملاً رسالة مضمونها أن واشنطن مستعدة في أي لحظة لاعادة العلاقات الدبلوماسية معه. وقد أوضح رامسفيلد فيما بعد لمجلة نيويورك تايمز أنه قد أدهشه كم هو مفيد أن تكون العلاقات بينهما سبيلاً لحل مشاكل الشرق الاوسط. وبعد أثني عشر يوماً من اللقاء المذكور أفادت الواشنطن بوست أن أمريكا اخبرت بعض دول الخليج أن هزيمة العراق أمام إيران ضد مصالح أمريكا وأنها اتخذت عدة خطوات لمنع حدوث تلك الهزيمة.
ولم يمض شهران على ذلك حتى عاد رامسفيلد إلى بغداد. وفي يوم وصوله إليها افادت مصادر الأمم المتحدة أن العراق استعملت غازات الأعصاب ضد الجنود الإيرانيين وتوالت التقارير عن استمرار استعماله للغازات السامة المختلفة.
على أن رامسفيلد الذي كان في العراق عند نشر ذلك التقرير لم يقل شيئا عن الموضوع وبعد عامين نشرت مجلة شيكاغو تريبون مقالة عن طموحاته للسباق نحو رئاسة أمريكا. وكان من بين ما عدَّته من انجازاته نجاحه في تهيئة السبيل لاعادة العلاقات مع العراق لكنها لم تذكر ان جهوده تلك أتت في وقت كانت وزارة الخارجية الأمريكية نفسها تفيد بأن رئيس العراق يستخدم الأسلحة الكيماوية.
وطوال المدة التي كان فيها رامسفيلد مبعوث ريجان الخاص إلى الشرق الأوسط كان العراق يشتري من المصانع الأمريكية بتفويض من البيت الأبيض ما يريد من قطع غيار ومواد وأسلحة وطائرات استعملت في ضرب خصوم صدام بالأسلحة الكيماوية.
ولقد أفاد مسؤولون أمريكيون كبار أنهم لم يلحوا على المطالبة بعقابه لاستخدامه تلك الأسلحة لأنهم أرادوا أن يدعموا قوته ليستمر في حربه مع إيران.
ولا يظهر البحث المستقصي أي تصريح علني لرامسفيلد يعبر فيه من قريب أو بعيد عن امتلاك العراق لأسلحة كيماوية أو استخدامه لها حتى الأسبوع الأول من الغزو العراقي للكويت سنة 1990م وذلك عندما ظهر على شاشة أي بي سي للأخبار.
وبعد ثماني سنوات من ذلك التاريخ وقع رامسفيلد على رسالة إلى الرئيس كلينتون يدعوه فيها إلى القضاء على تهديد صدام، ويحثه على اتخاذ الخطوات الضرورية لانقاذ أمريكا والعالم من شره وشر أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها.
وكان رامسفيلد عام 1984م في موقع يتيح له أن يلفت نظر العالم إلى تهديد أسلحة صدام الكيماوية ذلك أنه كان في بغداد عند نشر الأمم المتحدة أن الرئيس العراقي قد استخدمها ضد إيران بل إن وزارة الخارجية الأمريكية نفسها قد أمدته بالدليل على ذلك لكنه لم يقل شيئاً على الاطلاق.
والآن تتحدث واشنطن عن تهديد صدام والنتائج الخطيرة لعدم التصرف حيال ذلك. ورغم ان الادارة الأمريكية فشلت في اعطاء أي دليل على علاقة العراق بالقاعدة أو انه اعاد إنتاج اسلحة كيماوية أو بيولوجية فإن رامسفيلد يصر على «أن غياب الدليل ليس دليلاً على عدم وجودها».
على أن هناك دليلاً غلى غياب صوت رمسفيلد في تلك اللحظة التي كان فيها العراق متهماً بكونه مهدِّداً للأمن العالمي.
وفي هذه الحالة فإن الدليل على غياب ذلك الصوت هو في الحقيقة الدليل على الموقف المتخذ صدقاً أو زوراً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved