الحرب الأمريكية /البريطانية على العراق، سواء شنت أو لم تُشن فإن ثمة تغييرات جيوسياسية ستحصل ليس على صعيد المنطقة العربية فحسب، بل ستطول التغييرات ثوابت سياسية وجغرافية وتجتاح مناطق أخرى في العالم، وبخاصةٍ أوروبا التي استبق وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد العالم وجزّأها إلى أوروبا القديمة وأوروبا الحديثة، مسقطاً التقسيم السابق الذي كان يقسم أوروبا إلى غربية وشرقية، وبما أن الاعداء السابقين «الشرقيين» أصبحوا الأكثر ولاءً للأمريكيين، فقد أصبح «الحداثيون» لدى أبناء العم سام، في حين قبع الحلفاء القدامى «الغربيون» في منطقة المحافظين مع إعطاء تأشيرة قبول لبريطانيا.
وقد كشفت الكلمات التي ألقاها وزراء خارجية فرنسا وأمريكا وبريطانيا، أن التباعد بين الأمريكيين والأوروبيين ليس حادثاً عارضاً، بل هو توجه جديد لم يبدأ فقط في اجتماعات حلف الناتو حيث واجه وزير الدفاع رامسفيلد تمرداً فرنسياً ألمانياً بلجيكياً على الهيمنة الأمريكية على الحلف الذي يُعدّ أكبر تجمع عسكري دولي، وهذا ما دفع الوزير الأمريكي أن يخرج عن طوره وعن كل آداب اللياقة والحديث، حينما أهان الأوروبيين في عقر دارهم، حينما نعتَ الدول الأوروبية المحورية ب«أوروبا العجوز» ووجه المديح للأوروبيين الجدد محرِّضاً على تقسيم أوروبا على أسس جديدة معيارها درجة الولاء لأمريكا، وهذه أكبر اهانة يمكن أن يتقبلها أوروبي حتى وإن كان حليفاً تابعاً كالبريطانيين، ولذلك كان وزير الخارجية البريطاني مجارياً لزميله الفرنسي في التفاخر بقدم تاريخ بلاده، وكان الوزير الفرنسي قد استغل محفل مجلس الأمن الدولي لتوبيخ الأمريكيين أيضاً في عقر دارهم حينما ذكّرهم بأن عراقة فرنسا مبنية على قيم السلام، وعندما حانت الفرصة لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، حاول التخفيف من «حماقات» رامسفيلد، موضحاً أنه لا يعيب بلاده أنها أحدث الدول تاريخياً، لأنها الأعرق ديمقراطياً.
روح وزراء الخارجية في نيويورك.. وقبلها في ميونخ وبروكسل.. والشتائم التي حفلت بها الصحف الأمريكية ضد فرنسا وضد أوروبا الهرِمة ستمهد إلى تغييرات كبيرة تمهد إلى ظهور كتل سياسية وتحالفات جديدة، ليصبح التغيير غير مقتصر على المنطقة العربية.
| 
