* س: - أحس بشيء يراودني عند النقاش وعند المداخلات العلمية فلدي عجلة وأشعر بعد كل ذلك بارتخاء، وأغضب على طريقتي لكن ما يؤرقني هو انني احاول عدم الفشل في المداخلات حتى في نقاشي مع ولدي مثلاً فهل من طريقة تراها لي نافعة..؟
سليم بن مصطفى.. الأردن..
* ج: - لعل اول خيط يمكن أن تقبض عليه حتى ترى انك جدير بالشخصية المتوازنة العادلة الواثقة هو هذا السؤال نفسه فسؤالك تبرمي فيه من الكراهة والنفور بقدر ما فيه من الوعي وفقه الواقع وهذان هما الخيط الذي سوف يقودك بإذن الله تعالى إليه.
ما نريده منك،
حاول أن تقرأ كثيرا بعمق متجرد تام التجرد وبفهم سديد متأن خاصة كتب تربية العقل والقلب مثل:
1- شرح الطحاوية.
2- وضع الملام عن الأئمة الأعلام.
3- إعلام الموقعين.
4- صيد الخاطر.
5- تفسير سورة «يوسف».
6- تفسير سورة «نوح».
7- تفسير سورة «سبح».
وهذه حبذا قراءتها بين فترة وفترة تصل كل عام مرة او مرتين، وهي بنفسها سوف تجرك إليها لأنها ذات معالجة للعقل والقلب بوافر كبير من طرح جليل تأخذ منه الثقة فقه الواقع اصول النظر حقيقة الحياة ومعناها وقدرها والفرق بين عقل وعقل وقلب وقلب وجدل وجدل ونتيجة ونتيجة،
لا جرم فأنت واجد هناك ما كنت تنشده منذ زمن بعيد،
خاصة وانت ذو نزعة إلى الجهد والقوة ونشدان وضوح الهدف،
ولعلي أسمي لك هنا ما رسم صاحب كتاب «الموسوعة النفسية» حيث بين صفات الشخصية الهادئة، وهذا لعله يجدي في وصف امر تنشده ويعتبر فرعياً بالنسبة للكتب التي ذكرتها آنفاً لكني رأيت نقل هذا إليك لجودة هذه الصفات في الجملة يقول:« افعل ما يساعدك على بلوغ هذا الهدوء ان تتمثل دوماً الفوائد التي تعود عليك منه والمتاعب التي تتجنبها بوساطته، هذا التمثل الذهني يوقظ في نفسك العزم والطاقة اللازمين لبذل الجهود التي تتطلبها تربية الذات والانتظام الذاتي. اليك صفة الرجل الهادئ مفصلة واضحة يمكنك أن تجعلها قاعدة تنطلق منها للتأملات والتمثلات الذهنية التي تولعك بالهدوء:
1- أعصاب الهادئ وعضلاته مرنة شديدة، وهي تحفظ دوماً بتوازن عادي، ودرجة معتدلة من الراحة والاسترخاء، وذلك مما يسهل عليها أداء وظائفها الطبيعية في داخل الكيان الجسمي.
2- الهادئ يفكر باستقامة، نحو هدف تلتقي عنده جميع الأفكار الفرعية ويظل انتباه منصباً على ما ينفذ من قرارات، ولا يبذر طاقته الفكرية سدى.
3- استقامة الهادئ تبدو في عاداته، وتتمثل في مسلكه اليومي، فهو يبدأ عمله في ساعة موقوتة، ويسير فيه دون إسراع ويشتغل بما يعود بالنفع عليه وعلى غيره، وينال اقصى ما يستطيع من إنتاج بأقل ما يمكن من التعب.
4- الهادئ يفيد من أيام راحته وساعات فراغه لانه يعيش متملياً من حاضره ولا يرهق نفسه بأحزان الماضي، ولا بمخاوف المستقبل.
5- الهادئ يمتنع بطبيعته عن إظهار تبرمه في حضور الآخرين، كما يمتنع عن إبراز انهماكه بهم، وهو يصغي لما يلقى إليه دون أن يبالغ في التعجب او التواضع او الامتنان او اي رد فعل داخلي.
6- الهادئ يسيطر على ما قد يشعر به من فراغ صبر او غضب او حدة ويحتفظ في جميع محادثاته باعتدال موزون كي يتمكن من التأثير في روسائه وزملائه.
7- الهادئ يتكلم بدقة ووضوح وايجاز، وليس لكلامه تدفق العجول الذي يريد التخلص من عبء يرهقه ولذا يفهم كلامه كل من يسمعه.
8- حضور الهادئ يشيع الطمأنينة في نفوس الحاضرين ويجعلهم يشعرون معه بأنس واقبال على الحياة.
9- لا يتقبل الهادئ شيئاً مما يعرض عليه من افكار وآراء الا ويجيل النظر فيه، ويتثبت من صحة ما يوحى إليه كائناً من كان، ولا يوافق احداً بفرض اقتناع عليه او انتزاع قرار منه فهو في يقظة دائمة تتيح له تدبر الآراء وتأمل العواقب.
10- المفاجآت والمعاكسات، وخيبة الأمل والصدمات وما إليها من أحداث اشياء لا تزعزع كيانه، ولا تضعضع توازنه، فهو يبتعد عن منابع الضجة والصخب دون أن ينفق طاقاته في النواح والعويل والإرتباك والشكوى، ويتخذ بكل برود التدابير الضرورية لمقاومة المفاجآت.
11- إذا حدث للهادئ خطب رهيب يشل جهود اعوام او يقضي على آمال جسام لا يذهب به الحزن في مجاهل لا رجعة له منها، ولا يوغل في العذاب في عتمة التشاؤم الخاذل المخذل وانما يحتفظ بثقته في نفسه ويستجمع قواه لتلافي النتائج السيئة.
12- الهادئ يتألم موضوعياً لا ذاتياً بمعنى أنه لا يعطف على نفسه في الملمات الكبار ولا يحنق من اجلها وانما يعيد النظر دوماً في الماضي بكل روية وأناة، إلى ان يستعيد قوته رويداً رويداً، وتشتد معنوياته فيستأنف خوض معركة الحياة وهو مسلح بالعبر الماضية، والمواقف السابقة، حتى اذا واجه معارك جديدة. قال في نفسه، لقد عرفت غيرها من قبل»أ.هـ.
ولقد يكون لي بعد هذا الاستشهاد على مراد السائل الكريم ان ابين ثلاثة مواقف ذات عمق بعيد تتمثل اول ما تتمثل به «بفقه الواقع» وكمال الثقة الإيمانية بالله.
محمد صلى الله عليه وسلم.
يوسف صلى الله عليه وسلم.
أصحاب الكهف.
ففي سورة «محمد» مع كتاب.« الشمائل المحمدية» عطاء جليل يبادرك جيداً وانت تطالع سيرته وقوله وعمله ونقاشه وتدبره وحكمته وآراءه، وبذله من نفسه يطالعك عجب وأي عجب.
وفي سورة «يوسف» يتجلى هناك لك مواقف حرة واثقة تفقه وتعي واقعها وتدرك منها عظمة الحكمة الهادئة المطمئنة ويتجلى هناك لك الصبر الواعي وعدم القنوط والشعور بمسئولية الحياة تجاه حر امين نجيب، وتتبين هناك لك طهارة العدل وجودة المعدن، ونزاهة توزيع القدرات. وسعة البطان والعفو في الجدل والعمل عند المقدرة.
وفي سورة «الكهف» يتجلى هناك من عظم دور: الوعي العملي والصبر الطويل لمراد حياة صحيحة آمنة عادلة كريمة ويتبين لك هناك ولا جرم فطنة النظر بعد تدبر عاقل حكيم كما يظهر هناك لك معنى «فقه كمال التوحيد» بربط ظواهر الحياة بمكنون ما يمكن طرحه للاعتبار بصبر وتأن وتدبر وحزم صامت وجدل عادل متجرد هادئ واسع البذل لما سوف يكون من مآل على غرار عال مستقيم.
ففي «الكهف» قوة وثقة وطول نظر وتجرد تام وربط عميق بين حيثيات وحيثيات واسباب واسباب قد لا يدركها الغر العجول، او الذاتي المركزي السادر في حياته منها وإليها،
|