Saturday 15th february,2003 11097العدد السبت 14 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الدروس المستفادة من الحج الدروس المستفادة من الحج
الدكتور/ جبريل بن محمد البصيلي / كلية الشريعة جامعة الملك خالد بأبها

من البدهيات والضرورات المسلمات ان لكل عمل من قول أو فعل أو ترك أهدافا وغايات وثمارا مستفادات. وإذا كان هذا فيما بين الناس من تصرفات مع وصفهم بالعجز ونقصهم في التأهلات فهو فيما أمر الله به وشرع ونهى عنه وزجر من التكليفات التي هي في غاية الأحكام وحسن الترتيبات أبلغ وأعظم المقصودات وهذا ثابت بالاستقراء والتتبع والنصوص القاطعات. فما من عبادة شرعت، وقربة طلبت من العباد إلا وهي تحقق له مقاصد وغايات تعود عليهم بالخير والصلاح، والاستقامة والفلاح في الدنيا والآخرة، وتدليلا على ذلك وإقامة للبرهان وحتى تطمئن القلوب وتنشرح الصدور بيقين ذلك، هذه بعض الدورس المستفادة من الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه العظام حج بيت الله الحرام.
أولا: توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة قولا وفعلا واعتقادا له وحده لا شريك له. فهذه الشعيرة من أولها إلى آخرها تحقق كغيرها من الشعائر هذا المقصد الأعظم والهدف الأكبر من الشعائر والنواهي والأوامر الواردة في جميع الشرائع {ولّقّدً بّعّثًنّا فٌي كٍلٌَ أٍمَّةُ رَّسٍولاْ أّنٌ إعًبٍدٍوا اللَّهّ واجًتّنٌبٍوا الطَّاغٍوتّ} . إن أول شيء يبدأ به في هذه الشعيرة وتفتتح به وتستهل كلمة التوحيد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. يقول الحق تعالى: {وإذً بّوَّأًنّا لإبًرّاهٌيمّ مّكّانّ البّيًتٌ أّن لاَّ تٍشًرٌكً بٌي شّيًئْا وطّهٌَرً بّيًتٌيّ لٌلطَّائٌفٌينّ والًقّائٌمٌينّ والرٍَكَّعٌ السٍَجٍودٌ} .
ثانياً: إقامة ذكر الله وامتلاء النفس والقلب والمشاعر والأحاسيس به {لٌيّشًهّدٍوا مّنّافٌعّ لّهٍمً ويّذًكٍرٍوا إسًمّ اللَّهٌ فٌي أّيَّامُ مَّعًلٍومّاتُ}، { فّإذّا أّفّضًتٍمً مٌَنً عّرّفّاتُ فّاذًكٍرٍوا اللَّهّ عٌندّ المّشًعّرٌ الحّرّامٌ واذًكٍرٍوهٍ كّمّا هّدّاكٍمً وإن كٍنتٍم مٌَن قّبًلٌهٌ لّمٌنّ الضَّالٌَينّ}، {فّإذّا قّضّيًتٍم مَّنّاسٌكّكٍمً فّاذًكٍرٍوا اللَّهّ ..}، {واذًكٍرٍوا اللَّهّ فٌي أّيَّامُ مَّعًدٍودّاتُ}.
ثالثاً: تحقيق الاستقامة على الطاعة والاستعلاء على الشهوات، وإيثار مرضاة الله تعالى على الأهواء والملذات وتحقيق تقوى النفوس وتهذيبها وتنقيتها من شوائب الشبهات ورذائل الشهوات {الحّجٍَ أّشًهٍرِ مَّعًلٍومّاتِ فّمّن فّرّضّ فٌيهٌنَّ الحّجَّ فّلا رّفّثّ ولا فٍسٍوقّ ولا جٌدّالّ فٌي الحّجٌَ ومّا تّفًعّلٍوا مٌنً خّيًرُ يّعًلّمًهٍ اللَّهٍ وتّزّوَّدٍوا فّإنَّ خّيًرّ الزَّادٌ التَّقًوّى" واتَّقٍونٌ يّا أٍوًلٌي الأّلًبّابٌ} {واذًكٍرٍوهٍ كّمّا هّدّاكٍمً وإن كٍنتٍم مٌَن قّبًلٌهٌ لّمٌنّ الضَّالٌَينّ} {واسًتّغًفٌرٍوا اللَّهّ إنَّ اللَّهّ غّفٍورِ رَّحٌيمِ}، {فّمّن تّعّجَّلّ فٌي يّوًمّيًنٌ فّلا إثًمّ عّلّيًهٌ ومّن تّأّخَّرّ فّلا إثًمّ عّلّيًهٌ لٌمّنٌ إتَّقّى" واتَّقٍوا اللَّهّ واعًلّمٍوا أّنَّكٍمً إلّيًهٌ تٍحًشّرٍونّ}، {ومّن يٍعّظٌَمً شّعّائٌرّ اللَّهٌ فّإنَّهّا مٌن تّقًوّى القٍلٍوبٌ}. وفي الحديث الصحيح: من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، وصح عنه (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
رابعا: تحقق هذه الشعيرة الوحدة الإسلامية، والاخوة الإيمانية، وترسخ الرابطة الدينية، وتزيل الفوارق، وتذيب الحواجز {ولٌلَّهٌ عّلّى النَّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ}، فجاء لفظ الناس إشعارا بالوحدة، ويتكرر هذا اللفظ {وأّذٌَن فٌي النَّاسٌ بٌالًحّجٌَ}، وما ذلك إلا لأن هذه العبادة مع انه لا بد ان يسبقها الإيمان تشتمل على اصل الإسلام وهو التوحيد. فكأن إقامتها إقامة للدين كله فخوطب بها الناس ويتكرر هذا الوصف ليؤكد على هذا المعنى {والًمّسًجٌدٌ الحّرّامٌ الذٌي جّعّلًنّاهٍ لٌلنَّاسٌ سّوّاءْ العّاكٌفٍ فٌيهٌ والًبّادٌ ومّن يٍرٌدً فٌيهٌ بٌإلًحّادُ بٌظٍلًمُ نٍَذٌقًهٍ مٌنً عّذّابُ أّلٌيمُ}.
وإذا تأملت هذه الشعيرة من أول جزء فيها إلى آخر تكليف متعلق بها تجدها عنوانا للوحدة الإسلامية ودليلا قاطعا عليها فاللباس واحد، والقول واحد، والفعل واحد، والزمن واحد، والمكان واحد، والوجهة واحدة والقصد واحد.
خامسا: يتعلم المسلم من هذه العبادة الحج الصبر والبذل والشكر فهي عبادة تجمع بين المال والبدن، وتحتاج الى السفر ومفارقة الأهل والوطن، والبعد عن البيت والمألوف من النعم ففيها تطهير للنفس من الشح والبخل، وحمل لها على البذل والتحمل والتخلق بالأخلاق الحسنة لما فيها من مخالطة الناس ومعايشتهم ومصاحبتهم.
سادساً: أن ينال المسلم مغفرة الله ورحمته ورضوانه ودار كرامته سبحانه. (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
هذه بعض الدورس والثمار التي تستفاد من هذه العبادة.. وفق الله الجميع لما يحب سبحانه ويرضى.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved