لو عدنا قليلاً إلى الوراء للاحظنا أن الحضارة الإسلامية في أوجها آنذاك كانت حضارة عالمية «ديمقراطية» تدعو إلى الإخاء والمساواة، وإشاعة المودة والرحمة بين الناس، ولقد كانت حقوق الإنسان وما عليه من واجبات «اختراع إسلامي» أقرته الأمم المتحدة كميثاق عالمي عام 1948م بعد أربعة عشر قرناً من الزمان على ميلاده في ديار المسلمين.
ولا نختلف البتة في أن المجتمع السعودي يمثل أهم إفرازات تلك الحضارة العظيمة جغرافياً وتاريخياً، بل إن هذا المجتمع يعتبر الوارث الأول لمكتسبات تلك الحضارة النيرة عندما كان الآخرون في سبات عميق، ومع التسليم بان مصطلح «الديمقراطية» مصطلح نسبي في حالة التطبيق ويختلف عند الممارسة من مجتمع لآخر حسب ظروف وإمكانيات المجتمعات،، إلا أن الديمقراطية في المملكة ضاربة في القدم وعريقة الجذور منذ عهد الملك عبدالعزيز المغفور له بإذن الله، أورثها لأبنائه وأتباعه وسائر أفراد الشعب، وفي كتابه «الإمام العادل» يتحدث السيد عبدالحميد الخطيب عن ديمقراطية الملك عبدالعزيز قائلا: «.... ولا أظن أحداً يبلغ في الديمقراطية في عصرنا هذا مبلغ جلالة الملك فهو أيده الله ديمقراطي بالطبع تتلمس البساطة في مأكله، وملبسه، وفي أحاديثه، ومجالسه، فلا تكلف ولا كبرياء»، واستمرت تلك الدّيمقراطيّة حتى عهدنا هذا قائمة على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة واحترام كرامة الإنسان، لكن هذه الديمقراطية تتطلب تطويراً في ظل التغيرات المشهودة، لأن من الإجحاف أن تكون النظرة إليها على أننا نظام غير ديمقراطي والواقع ينفي ذلك، إذ إننا دولة مؤسسات ينقصها التطوير والإعلان، فنحن ولله الحمد نجتمع على الدوام مع ولاة أمرنا نتناول الغداء والعشاء أوقاتاً كثيرة على مائدة واحدة رغم مشاغلهم الجمَّة وهي عادة محمودة لا يرقى إلى تحقيقها كثير من الشعوب التي تدعي الديمقراطية، كما اننا لا نشعر بالرهبة والخوف ولا ترتعد فرائصنا عند دخول مبنى وزارة الداخلية والذي يعتبر دلالة على القمع والتنكيل في كثير من الدول التي تدعي الديمقراطية، ومؤخرا قام سمو ولي العهد حفظه الله بجولة تفقدية على بعض الأحياء الفقيرة في الرياض، تلك الزيارة الميمونة التي تعتبر تجسيداً واضحاً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم ومعايشة من قبل الراعي لأحوال الرعية. أليست تلك الأمثلة دلائل جلية على تعاطي الديمقراطية في أرجاء هذه الأرض الطيبة ولا ينقصها إلا الإعلان والتطوير؟.
لكن لماذا هذا الإلحاح على الإصلاح والتطوير؟ للإجابة على ذلك يمكن القول إننا جزء من ذلك الكل لا نستطيع التغريد خارج السرب والأخطار محدقة بنا من كل حدب وصوب، وانه مثلما تغير العالم فالمنطق يقول أن نساير هذا التغير بالاستفادة من الإيجابيات وتلافي السلبيات، وأن ننضم للركب بمآثره مثلما أنضم هذا الركب إلى ركب الأجداد يوم كانوا مشاعل العلم آنذاك، وان نتعامل مع الحدث المهول في 11 سبتمبر 2000م على انه مفترق طرق يتطلب الالتفات إلى ما يجري حولنا عندما تركنا مجموعة من الصبية المغرر بهم للقدر، وأصبحنا نوصم بأقبح المحظورات ونحن شعب لمس انسانيته القاصي والداني، وأحس بطيب معدنه الغريب قبل القريب.
المعضلة إن لم نؤمن بمفهوم التغير ونحن الذين لمسناه، ففي الماضي لم نكن نتخيل أن المرأة سوف تتعلم وتعمل وتكتب في الصحافة، ولم نتوقع أن أطفالنا سوف يكونون على اتصال مع أطفال العالم من خلال الشبكة العنكبوتية، وكنا ننظر للفن نظرة يشوبها التحفظ وها نحن نقره أو بالأحرى بعضنا يقره، وكنا .. وكنا .. وكنا .. ولكننا رغم ذلك تغيرنا لأن الأحداث غيرتنا وأرغمتنا على التغيير وتلك سنة الكون، وهذا التغير السريع أشد ما يكون وضوحاً عن الماضي وأكثر شمولاً أحدثته مجموعة من العوامل أبرزها النظرة العقلية المتغيرة في ذات الإنسان، ونتائج التكنولوجيا الباهرة الفارضة للتغيير، والاتجاه إلى التطبيق الديمقراطي، هذا التطبيق الذي أصبح مطلباً عالمياً وليس حكراً على شعب دون غيره، مما يساعد على أن يكون الآمن أكثر أمناً، وسوف يتيح محاربة الفساد الإداري بكل أشكاله وصوره، وسوف يقذف بمفاهيم العنصرية والطائفية في مهب الريح، وسوف يتيح لأفراد المجتمع المزيد من الإبداع والإبتكار.
نتفق إذن أن التغير من الحسن إلى الأحسن أمل منشود لأن الجمود لا يحقق التقدم، هذا ما تعلمناه في مدارسنا ولاحظناه في مراحلنا العمرية المختلفة ولا بأس أن يكون التغيير تدريجياً وفق خطوات مدروسة، ونؤكد هنا على الولاء والطاعة للأسرة المالكة الكريمة رمزنا ومصدر عزتنا وسر هيبتنا التي نتباهى بمآثرها أمام العالم.
|