لقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إتمام مكارم الأخلاق هدفاً لبعثته وغاية لرسالته. وكفى بذلك تنويها وتشريفاً لقيمة الأخلاق في دعوته حيث قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ولقد مَنَّ الله على المسلمين بأن جعل لهم قدوة يقتدون بها، تتجسد فيها مكارم الأخلاق التامة، التي أخذت من ميراث جميع الرسل وزادت عليه، وذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أثنى الله عليه فقال: {وإنَّكّ لّعّلّى" خٍلٍقُ عّظٌيمُ} [القلم: 4] . وقال سبحانه: {لّقّدً كّانّ لّكٍمً فٌي رّسٍولٌ اللَّهٌ أٍسًوّةِ حّسّنّةِ لٌَمّن كّانّ يّرًجٍو اللَّهّ والًيّوًمّ الآخٌرّ وذّكّرّ اللَّهّ كّثٌيرْا} [الأحزاب: 21] .
وقد سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت: «كان خلقه القرآن» (رواه مسلم وأحمد وأبو داود)، وهي تعني بذلك أن سيرته كانت تجسيداً حياً للقرآن.
ويدخل في مكارم الأخلاق حسن الخلق والمعاشرة التي دعت إليه السنة، وتوافرت في فضلها الأحاديث، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا» (روه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم).
وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل، صائم النهار» (رواه أبو داود).
ومن هنا فلا يكفي المسلم أبدا أن يكون ذا علم غزير ومعرفة بأصول دينه وفروعه وبما يجب عليه تجاه ربه وتجاه أمته وما ينجيه في الدنيا والآخرة فلا تكفي كل هذه المعرفة، وإنما يجب أن تتحول هذه المعرفة إلى عمل، وأن يترجم هذا العلم إلى سلوك. وإذا لم يعمل المسلم بعلمه كان عليه وبالا. والجانب الأخلاقي في الإسلام له من الخطورة والأهمية ما ليس لغيره، وحسبنا أن نقف مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه كل البر في كلمة واحدة فقال: «البر حسن الخلق» (رواه مسلم)، كما جعل الخلق الحسن معيار حبه صلى الله عليه وسلم فقال: «إن من أحبكم إليَّ أحسنكم خلقاً» (رواه البخاري).
* . وحذر المسلمين من هذا السلوك فقال: {كّبٍرّ مّقًتْا عٌندّ اللَّهٌ أّن تّقٍولٍوا مّا لا تّفًعّلٍونّ} *الصف: 3*، لهذا ينبغي أن نترجم علمنا بالله إلى عمل وسلوك، وكم من خلق حميد وسلوك حسن كان له من حسن التأثير على الناس ما ليس لآلاف الكتب والخطب العظيمة.
* وقال: {هٍوّ أّنشّأّكٍم مٌَنّ الأّرًضٌ واسًتّعًمّرّكٍمً فٌيهّا} *هود: 61*.
* وله فطرة فطره الله عليها وهي الإسلام: { فٌطًرّتّ اللَّهٌ التٌي فّطّرّ النَّاسّ عّلّيًهّا لا تّبًدٌيلّ لٌخّلًقٌ اللَّه} *الروم: 30* .
والنفس الإنسانية تتنازعها بشكل دائم أمور منها:
1- نداء الفطرة، وهو نداء الأنبياء وأتباعهم والمؤمنين بهم.
2- نداء الشهوات وهو وسوسة الشيطان التي لا تؤثر على الإنسان إلا من خلال الشهوات.
3- تأثير البيئة والمحيط: «كل إنسان يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
إن الأخلاق نوعان: نفسية واجتماعية، وكلاهما مطلوب: الأخلاق النفسية: هي التي تتعلق بصلة الإنسان بالله، أو بصفة خاصة لا علاقة لها بالناس.
أول هذه الأخلاق: صفاء العقيدة. فالعبودية لله، والحب لله ولرسوله، والإخلاص لله، ومراقبة الله، وتقوى الله، واليقين بالله، والتوكل عليه، والخوف منه إلخ.
وثانيها: صفاء النفس عن طريق تخلصها من الكبر والإعجاب وتخلقها بالحياء والزهد بما عند الناس، والصبر على المصائب، والاستمرار على المجاهدة،وغيرها.
الأخلاق الاجتماعية: وهي التي تتعلق بتعامل الإنسان مع سائر الناس، منها أخلاق يتعامل بها الإنسان مع جميع الناس مسلمين أو غير مسلمين، ومنها أخلاق يتعامل بها الإنسان المسلم مع إخوانه المسلمين، أو مع أقاربه أو جيرانه أو آبائه أو أولاده، كالرحمة، والرفق، والحلم، والتواضع، والأمانة، والصدق، والتسامح، والعدالة، والإيثار، والمواساة، والكرم وغيرها.
وتزكية النفس من الناحية الخلقية لها دور كبير في حيوية المجتمع المسلم. فبناء الفرد المسلم لا يتحقق إلا بالتزكية، والداعية عندما تزكو نفسه يكون أكثر نشاطاً في عمله الإسلامي، وحيوية الحركة بحيوية أفرادها أساسا. والمجتمع المسلم لا بد أن تسوده الأخلاق الاجتماعية الإسلامية، وهذه لا توجد إلا من خلال شخصيات إسلامية. ونحن في حاجة إلى أن نقدم للناس صورة حية عن المجتمع الإسلامي، تتجسد فيه معاني التراحم والتسامح والتعاون والتواضع والإيثار وغير ذلك.
وإذا كنا بحاجة إلى الأخلاق فما أكثر حاجتنا إليها في هذا العصر عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذلك لما حل بمجتمعنا من تغيرات بسبب التطور الذي حدث في عصرنا الحاضر في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذي له آثار جمة على أخلاقيات مجتمعنا المسلم، سواء بالإيجاب أو بالسلب. فلا يستطيع أحد أن يغفل الإمكانيات الرائعة التي تقدمها لنا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخاصة بعد اتحاد الكومبيوتر والاتصالات واندماجهما في الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصالات.
وأيضا لا نستطيع أن نتجاهل الآثارالسلبية التي ترتبت على هذا الانفتاح المعلوماتي والإمكانيات التكنولوجية خاصة أن من يمتلكون ويحتكرون هذه الإمكانيات يختلفون معنا عقائدياً وفكرياً، فما يعد عندهم مباحاً وعادياً نجد له ضوابط أخرى في ديننا الحنيف، وكذلك ثقافة المتلقي وعدم توفر الوعي الكافي للقيام بالانتقائية المعلوماتية لأخذ ما ينفع وترك ما يضر. فلا بد من الوعي الأخلاقي الذي يعين المسلم على أن يتخطى تلك العقبات ولا يتعثر فيها، بل يرتقي بأخلاقه إلى أسمى الدرجات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|