Saturday 15th february,2003 11097العدد السبت 14 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ماذا بعد الحج؟ ماذا بعد الحج؟
الشيخ محمد حسين الدريعي

في كل عام منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه بفرضية الحج على المسلمين المستطيعين إليه سبيلا ومكة المكرمة تستقبل الآلاف المؤلفة ممن لبى نداء الله وانقاد لشريعته مؤمنا محتسباً، شعارهم عند الاحرام بالحج أو بالعمرة: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» وباعثهم تحقيق عبادة الله عز وجل بامتثال مأموراته واجتناب منهياته، وأملهم ان تغفر ذنوبهم وتكفر سيئاتهم، وان يرجعوا عن ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، انهم يتوجهون إلى الديار المقدسة، وقد رأوا بعين البصيرة بيت الله الحرام، لأنهم يتوجهون اليه في كل يوم وليلة خمس مرات، لأداء الصلاة المفروضة، وفي الوقت نفسه فإنهم يذكرون ما لهذا البيت الحرام، والبلد الحرام من قدسية خاصة فهو الذي قال الله فيه: {وإذً جّعّلًنّا البّيًتّ مّثّابّةْ لٌَلنَّاسٌ وأّمًنْا واتَّخٌذٍوا مٌن مَّقّامٌ إبًرّاهٌيمّ مٍصّلَْى}.
وقال فيه سبحانه: {وعّهٌدًنّا إلّى" إبًرّاهٌيمّ وإسًمّاعٌيلّ أّن طّهٌَرّا بّيًتٌيّ لٌلطَّائٌفٌينّ والًعّاكٌفٌينّ والرٍَكَّعٌ السٍَجٍودٌ}.
وهم يذكرون بل ويعتقدون ان البلد الحرام والبيت الحرام يضاعف الله فيه الثواب لمن تقرب إلى الله بعمل الصالحات، وقلوبهم مطمئنة إلى تحقيق ما وعد الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجعل ثواب الصلاة الواحدة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، الحجاج كذلك يتوافدون إلى هذا البلد الحرام الذي يرون فيه الآيات العظيمات التي تشهد بفضل الإسلام وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم في تبليغه للناس، كما في قول الله تعالى: {إنَّ أّوَّلّ بّيًتُ وضٌعّ لٌلنَّاسٌ لّلَّذٌي بٌبّكَّةّ مٍبّارّكْا وهٍدْى لٌَلًعّالّمٌينّ فٌيهٌ آيّاتِ بّيٌَنّاتِ مَّقّامٍ إبًرّاهٌيمّ ومّّن دّخّلّهٍ كّانّ آمٌنْا}.
وفي الوقت نفسه فإن الحاج الذي وفد إلى بلد الله الحرام قد وجد الصفة المميزة للأمة المسلمة التي تحكم شرع الله في شؤون حياته كما يقف بنفسه على المساواة بين المسلمين في هذا البلد الأمين تحقيقاً لقوله تعالى: {سّوّاءْ العّاكٌفٍ فٌيهٌ والًبّادٌ}.
والحجاج بجانب هذا كله لابد واقفون على العناية التامة بتطبيق الإسلام في تعاليمه السامية حين يرون مظاهر الحضارة والتقدم والرقي في شتى المجالات التي من شأنها توفير الراحة للمسلمين أهل البلد الأمين بصفة خاصة وحجاج بيت الله الحرام بصفة عامة إذ لا فصل في الإسلام بين الدين والحياة، ولا بين الدنيا والآخرة، وهذا ما فهمه القائمون على أمر هذه البلاد من نص كتاب الله العزيز: {وعّدّ اللَّهٍ الذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ لّيّسًتّخًلٌفّنَّهٍمً فٌي الأّرًضٌ كّمّا إسًتّخًلّفّ الذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً ولّيٍمّكٌَنّنَّ لّهٍمً دٌينّهٍمٍ الذٌي إرًتّضّى" لّهٍمً ولّيٍبّدٌَلّنَّهٍم مٌَنً بّعًدٌ خّوًفٌهٌمً أّمًنْا يّعًبٍدٍونّنٌي لا يٍشًرٌكٍونّ بٌي شّيًئْا}.
كما ان وفود الرحمن وجدوا صفاء النفوس وبهجة القلوب من أهل هذه الديار تجاه اخوانهم المسلمين القادمين من أنحاء العالم تطبيقاً لقول الله تعالى: {إنَّمّا المٍؤًمٌنٍونّ إخًوّةِ}.
إن هذه الصورة المشرفة التي يجدها حجاج بيت الله الحرام في هذه البلاد ليست ثمرة لعادات وتقاليد ورثها الأبناء عن الآباء، وإنما هي ثمرة من ثمرات الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحصيلة للعمل الصالح الذي يتقرب به المسلم إلى الله عز وجل.
ومما ينبغي ذكره كأنموذج حي على الشعور بعظم المسؤولية وحمل الأمانة ما رآه القادمون إلى هذه الديار المقدسة لأداء مناسك الحج والعمرة من جهود تبذل من أجلهم كي تحقق لهم المعرفة الصحيحة بالمناسك، وسائر تكاليف الشريعة الإسلامية، على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الحجاج قد وجدوا من يحثهم على فعل الخير، ويرغبهم فيه، ويحذرهم من الشر، وينهاهم عنه وذلك على أيدي العلماء الذين تفرغهم حكومة هذه البلاد لهذه المهمة العظيمة، هذا بجانب توفير ما تتطلبه حاجاتهم الضرورية والكمالية بأسعار معقولة، ينضم إلى ذلك حفظ النظام والعمل الجاد على الرعاية الصحية لدى الحجاج طوال اقامتهم في هذه الديار، ويضاف إلى ذلك ما يلمسه كل حاج ويحس به من تيسير وسائل الراحة لوفد الله بشكل لا يجد له نظير في كثير من بلاد المسلمين، والمهم من هذا كله ان هذا يعني ان فريضة الله على عباده قد هيأ الله أسبابها ويسر الطريقة الموصلة إليها فلم يبق إلا ان تخلص النية وتصفو العقيدة وتزول السخائم من النفوس، ويعود إلى بلده وقد عاهد الله ان يبقى على العهد الذي قطعه مع ربه «لبيك لا شريك لك» فيقيم الصلاة ويؤدي فرائض الله الواجبة عليه حسب طاقته ومقدرته، وتجتنب المنهيات التي نهاه الله عنها تحقيقا لقوله تعالى: {واعًبٍدً رّبَّكّ حّتَّى" يّأًتٌيّكّ اليّقٌينٍ}.
ويعود لسانه ذاكراً لربه وهو يلهج بالدعاء لمن كان وراء تحقيق أسباب الراحة لحجاج بيت الله الحرام بعد الله عز وجل، وهو إمام المسلمين وولي عهده وكل من أسهم في ذلك من الصالحين فإن من لا يشكر الناس لا يشكر الله.
أسأل الله ان يجعل حج الجميع مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا وان ينصر دينه ويعلي كلمته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved