بالطبع الوطن عشق لأبنائه، ويزداد العشق حباً وهياماً عندما يرتبط الوطن بالدين، يجعله دستوره وقانونه، ويحمله بقلبه، فعندما يجعل الوطن خدمة شرع الله في الأرض شغله الشاغل وعمله الدؤوب فإن محبته تتضاعف في النفوس، وتصبح الصلة وثيقة لا يمكن خصم عراها بين وطن تهواه الأفئدة، ومواطن يعرف أنه جزء لا يتجزأ من هذا الوطن.
إن العالم عندما ينظر إلينا كمواطنين فإنه لا ينظر إلينا بصفتنا «زيداً أو عبيداً من الناس» بل بصفتنا مسلمين نطبق شرع الله أولاً، وثانياً بصفتنا سعوديين عرب لنا أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا المجيدة ولهذا فإن أي انسان هو جزء من لوحة كبرى ترسم ساحة الوطن، وأي جمال بهذا الجزء يزيد من جمال الكل، وعلى العكس فإن أي سوء - لا سمح الله - ينعكس سوءاً على مجمل الصورة وتختلف بطبيعة الحال درجات التأثير سلباً أوايجاباً، حسب أهمية الفرد وموقعه وعمله وتأثيره ومكانته.
لا يخفى على أحد وجود هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين في هذه الأيام، وهذه الهجمة إنما ركزت سهامها وحرابها وصوبتها نحو بلادنا لا لشيء إلا لأنها تمثل مهد الرسالة، وبلاد الحرمين الشريفين، والبلاد التي تطبق شرع الله وتحرص على مصالح الأمة في مشارق الأرض ومغاربها.
إن الهجمات التي تتعرض لها ليل نهار في وسائل الإعلام وفي السياسة والاقتصاد وكل مجالات الحياة، إنما هي هجمات مخططة مدروسة هدفها ثنينا عن تطبيق شرع الله، وصرفنا عن هويتنا، وجرنا إلى مهاوي التهلكة والفساد، وهذه الهجمات المدبرة استهدفت الوطن بمجمله كما استهدفت الفرد بصفته جزءاً لا يتجزأ من الوطن، فركزت على الأبناء والآباء، وعلى الذكر والأنثى، وعلى الصغير والكبير، ولكن كان كل فرد - ولله الحمد - يمثل قلعة قوية صامدة راسخة في وجه الغادرين على الرغم من أن بعض الهفوات هنا وهناك، وعلى الرغم من أن بعض الانحرافات التي انجر إليها البعض بفعل المؤثرات الخارجية.
إن ما يعنينا بالدرجة الأولى هو ألا يكون الانحراف نابعاً من النفس، أو من داخل الذات بقصد أو من دون قصد، لأن أي سلوك، إنما هو سلوك محسوب على كل الوطن، فالمدير في مؤسسته إن ظلم عماله فلن يقول أحد إن فلاناً ظلم، وإنما سيقولون السعودي المدير ظلم، أو المدير المسلم يظلم العمال، ما هذا الدين؟ وهكذا، ورب البيت الذي يضرب أو يؤذي خادمته أو عماله أو سائقه إنما ينطبق عليه المثل نفسه ويصبح باباً مفتوحاً لانتقادات مجتمع بكامله، والمدرس في المدرسة الذي لا يعدل بين طلابه، أو يفرق في تعامله إنما هو يؤذي الوطن قبل كل شيء، ورب العمل الذي يأكل حقوق عماله إنما يأكل حقوقاً من حقوق الوطن لأنه مؤتمن على سمعة وشرف الوطن.
والشيء نفسه ينطبق على المسؤول ولكن هنا المسؤولية أكبر، الأمر نفسه ينطبق على أي موظف من أقصى الحدود إلى أقصاها، من الجمارك إلى الوزارات إلى المرور إلى المحلات التجارية إلى الخطوط الجوية، إلى النقل العام إلى الموانئ إلى كل شيء، فكلنا مؤتمن على الوطن، وكلنا مسؤولون عن سمعته ورقيه، ولا ننسى أنه يوجد لدينا ستة ملايين من العمالة الوافدة، وهذه لو نظرنا لها نظرة ايجابية لكانت نفعاً عميماً لنا فعدا على نفعها الاقتصادي، هناك نفع معنوي بأن نكسبها ومن خلفها بلدانها إلى جانبنا أو بالأحرى إلى جانب وطننا.
القضية ترتبط بسلوك كل منا، وليفكر الواحد منا عندما يتصرف أي تصرف أنه انما يمثل وطناً يطبق شرع الله، وعندئذ فقط عندما يعلم أن الرقيب عليه هو الله تعالى فإن السلوك سيرقى إلى مصاف عالية بإذن الله، ويعلو بها الوطن، والحب يكبر، والثمار تينع، والأشجار تظلل الجميع.
|