Saturday 15th february,2003 11097العدد السبت 14 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مطلوب استراتيجية عربية مطلوب استراتيجية عربية
لدعم مواقف فرنسا وألمانيا تجاه العراق!
عبدالله القاق

في مقاله الأخير في نيويورك تايمز حمل توماس فريدمان بشدة على مواقف فرنسا الإيجابية من الأزمة العراقية داعياً إلى استبدال مقعدها في مجلس الأمن الدولي بالهند باعتبار الأخيرة تعتبر من الدول الأكثر ديمقراطية في العالم، وفيها من المسلمين ما يزيد على سبعين مليوناً، ومن الهندوسيين أكثر من مئات الملايين فضلاً عن كونها دولة مستقرة، وتلعب دوراً إيجابياً في المنطقة من أجل توفير الأمن والاستقرار.فإذا كانت فرنسا التي تقف إلى جانب الحق والعدل، وشمولية الطرح والقرار تلاقي هذه المواقف من الولايات المتحدة، فإن ذلك يعني ضيق صدر المسؤولين الأمريكيين الذين يطالبون بالديمقراطية وإشاعة العدل وحقوق الإنسان فيما هي تحتجز في غوانتانامو أبرياء من المسلمين من العديد من الدول العربية، ومن بينها السعودية وباكستان وأفغانستان دونما ذنب اقترفوه، ولم توجه لهم أية اتهامات في شأن وجودهم في افغانستان أو باكستان.
وإذا كان رامسفيلد يهاجم بشدة فرنسا، وألمانيا.. وكذلك بلجيكا لمواقفها من الأزمة العراقية، ومطالبتها بايجاد الحل السليم، والحوار بعيداً عن ضرب العراق، فإن هذه المواقف الأمريكية تدل على التشنج الكبير الذي تقفه هذه الإدارة برئاسة الرئيس الأمريكي بوش جراء وجود مجموعة من الصقور الأمريكيين المتطرفين الذين لم يألوا جهداً في مهاجمة الإسلام والمسلمين، ووقفوا إلى جانب شارون رئيس وزراء إسرائيل من أجل مواصلة مخططاته العدوانية تجاه الفلسطينيين العزل وسياسته الرامية إلى إبعاد الرئيس الفلسطيني من الأراضي العربية المحتلة في وقت تواصل أمريكا حملاتها بشدة على الرئيس الفلسطيني، وتطالب بالتعاون مع إسرائيل لإبعاده عن أية مفاوضات مقبلة.
هذه المواقف الأمريكية يمكن اعتبارها بأنها مجحفة بحق الشعوب العربية والإسلامية وكذلك بعض الدول الأوروبية، وبعض الأمريكيين الذين يرفضون توجيه ضربة قاصمة للعراق، تحت ذرائع مختلفة في حين ان كبير المفتشين الدوليين هانس بليكس ومدير الطاقة الذرية الدولية محمد البرادعي قد أكدا في لقائهما الأخير ببغداد تجاوب العراق في مواقفه تجاه التعاون مع المنظومة الدولية في شأن نزع أسلحة الدمار الشامل، والتي يتضح من خلال عمليات التفتيش عدم وجود أية مفاعلات نووية أو محتويات لغاز الأعصاب ( VX) أو الجمرة الخبيثة الأمر الذي يؤكد سلامة العراق من هذه الاتهامات الباطلة، والتقارير المفبركة وغير الصحيحة، وبخاصة تقرير رئيس وزراء بريطانيا حول أسلحة الدمار الشامل والذي «سُرق» وللأسف «من دراسة لطالب عراقي قدمها اطروحة في جامعة كاليفورنيا الأمر الذي أثار حفيظة الساسة البريطانيين والكتاب والمعلقين على هذه الفضيحة التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة في تقاريرها واحالتها إلى مجلس الأمن الدولي ضمن وثيقة باول المشهورة فهذه الافتراءات لا يمكن القبول بها.. وهذه المواقف القومية العادلة من قضية العراق والتي تجري اتصالات عربية مكثفة قادها الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك، من شأنها ان تسهم في السعي لوقف هذه الحرب، وان كان كما أسماها جلالته بأن معجزة قد تحل لوقف هذه الحرب المقبلة وذلك نظراً لاستعدادات أمريكا للقيام بهذه الهجمة التي من شأنها ان تقضي على حياة مئات الألوف من الأبرياء وتقضي على البنية التحتية العراقية، فضلاً عن الآثار التي ستخلفها المواد الكيميائية السامة التي ستضرب بها أمريكا العراق عبر قنابلها الذكية وغير الذكية بالمرحلة المقبلة.
ولكن أمام السجال الحالي في الولايات المتحدة حول ضرورة التوجه إلى العراق لنزع أسلحته النووية مثل كوريا، فإن الواقع التهديد النووي الكوري هو أهم من التهديد العراقي، بحجة ان العراق لديه أسلحة، كما يقول بوش تهدد أبناءه وجيرانه واستقرار المنطقة، في حين يرى وزير خارجية أمريكا الأسبق وارن كريستوفر في مقال له مؤخراً ان موضوع العراق يجب ان يتم وضعه على شعلة الموقد الخلفية وان أمريكا مطالبة بأن تنظر بدرجة أكبر من الاهتمام إلى التهديد النووي الكوري.
في حين نرى ويليام سفاير يكتب في صحيفة نيويورك تايمز شأنه شأن فريدمان يدعو أمريكا إلى سحب الجزء الأكبر من قواتها في شبه الجزيرة الكورية ويطالب بأن تتوجه هذه القوات لحل القضية العراقية قبل ان يتحول العراق كما يزعم إلى دولة نووية لا يمكن السيطرة عليها.
فالتهديد المزدوج والاحراج السياسي للولايات المتحدة كما يقول بول كنيدي أستاذ التاريخ في جامعة ييل يتمثل في حقيقة ان الدولة التي تريد الولايات المتحدة ضربها في الشرق الأوسط، تبدو في نظر بقية العالم، وفي نظر الكثيرين من الأمريكيين أقل بشاعة وأقل خطورة بكثير من حيث قدرتها النووية من الدولة التي ترغب الإدارة الأمريكية في التعامل معها بطريقة دبلوماسية في الشرق الأقصى وهي كوريا الشمالية.
أية ازدواجية في المكاييل فكما تطالب أمريكا الشعب الفلسطيني بوقف هجماته على الإسرائيليين وتتهمه بالإرهاب، فإنها تغمض الطرف عن إسرائيل الدولة الإرهابية التي تقتل الأبرياء وتهدم منازلهم وتعتقل أبناءهم دونما ان يسمع صوت معارض من الولايات المتحدة بل انتقاد مستمر للإدارة الفلسطينية ومطالبة بإصلاحات جذرية شاملة.
فالواقع ان أمريكا.. هي التي تخلق الأزمات مع حليفاتها فرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول، فضلاً عن سياستها غير السليمة والمرفوضة في المنطقة والتي أظهرت كل الاستفتاءات والاستطلاعات العربية بأن جل شعوب العالم يكرهون الولايات المتحدة الأمريكية لسياستها الخرقاء في المنطقة ولمحاولتها قهر شعوب المنطقة دون أدنى اعتبار لحقوق الإنسان أو الديمقراطية «الهشة» التي تطالب بها.والواقع ان أمريكا سوف ترتكب حماقة.. عندما تتصرف من منظارها الأحادي للسيطرة على العالم.. وخلق الكم الهائل من الأزمات، وذلك شأنها شأن إسبانيا في أربعينيات القرن السابع عشر أو بريطانيا في تسعينيات القرن التاسع عشر!.. فبالرغم من ان مشروع القرار الفرنسي الألماني الذي سيعرض على مجلس الأمن والذي تسربت بعض النقاط الرئيسية فيه، يقترح اقامة وصاية دولية على العراق إلا انه في نهاية المطاف بحاجة إلى دعم عربي لإقراره لأنه أهون الشرين على الأقل.. انطلاقاً من سياسة فرنسية ألمانيا راشدة بعيدة عن سياسة التطرف الأمريكي ضد شعوب المنطقة العربية في هذه المرحلة الحرجة والحساسة!.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved