تشهد القاهرة الأسبوع القادم (23 فبراير) اجتماع وزراء الإعلام في الدول الإسلامية، يحضره خمسون وزيراً وممثلاً لمنظمات إعلامية إقليمية ودولية.. وهذا رقم كبير في الاجتماعات الدولية، حيث يشكل هؤلاء كتلة إعلامية هائلة مناط بها الكثير من المهام والمسؤوليات.. ومثل هذه الاجتماعات فقدنا الحماس لها، فلم تعد تحرك ساكناً أو تنطق مسكوتاً، أو تفعِّل جامداً.. ولكنها على الرغم من ذلك، فهي ستبحث بمشيئة الله وضع استراتيجية موحدة لمواجهة التحديات التي يتعرض لها الإسلام وتواجهها الشعوب الإسلامية.. وسيعمل هذا الاجتماع على صياغة خطاب إسلامي واحد يتم من خلاله شرح قضايا المسلمين بما يتمشى مع القيم الإسلامية.. الخ.
وهذا - كما أوردته الأنباء - اجتماع الدورة السادسة لوزراء الإعلام في الدول الإسلامية، فليس هو الأول.. كما يبدو من مناقشة موضوعات أجندة المؤتمر، فوضع استراتيجية واحدة تبدو كأنه الاجتماع الأول، وصياغة خطاب إسلامي واحد يظهر لنا كأن التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية هي جديدة استلزمت وضع هذه الاستراتيجية.. وإذا كان المقصود وضع استراتيجية بعد تداعيات 11 سبتمبر، فنود التذكير أن هذه الأحداث قد مضى عليها حوالي سبعة عشر شهراً.. وأن الأضرار قد تحققت، والتشويه قد حصل، والصور قد اختلت.
والمهم ليس حدوث الاجتماع، ولكن الأهم هو ماذا يمكن أن يسفر عنه هذا الاجتماع؟ ولا أتحدث عن البيان الختامي، الذي ربما يكون جاهزاً قبل أسابيع من موعد المؤتمر، والذي أجزم أنه سيكون جميلاً، ورائعاً، ومدغدغاً لكل مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. ولكن الأهم هو ماذا سيتحقق من هذا الاجتماع، وما هي الحركة الإعلامية القادمة التي ستفرزها نتائج مثل هذا الاجتماع.
ومن خلال نظرتي المتشائمة الى اجتماعات وزراء الإعلام العرب والمسلمين، فإنني لا أرى عملاً مثمراً مشتركاً يمكن أن يتحدد من خلال هذه الاجتماعات الوزارية.. وأنا لست ضد مثل هذه الاجتماعات، ولكني لم أر أيَّة آلية عمل توضع لتنفيذ أي استراتيجية عمل عربية أو إسلامية يتحقق من خلالها انجاز مهني أو فكري ذي شأن في عالمنا العربي والإسلامي.
ونحن نعلم أن اجتماع خمسة رؤساء مجالس شركات أمريكية فقط هو جدير بتحريك الرأي العام العالمي وليس الأمريكي فقط.. فلو اجتمع رؤساء مجالس إدارات أربع أو خمس شركات مثل أمريكا اون لاين تايم ورنر، وديزني، وجنرال اليكترك، وفيا كوم، ونيوز كوربوريش بما يمثلونه من أضخم خمس شركات إعلامية مؤثرة في العالم (cnn, abc, nbc, fox, cbs) لاستطاع هؤلاء الخمسة أن يحققوا للعالم وليس لمنطقة واحدة في هذا العالم الكثير والكثير.. بما يعادل أضعاف ما يتحقق من قرارات وأعمال لخمسين وزير وممثل في مثل اجتماع القاهرة القادم.
نحن نقول هذا ونعلم أن الإعلام ليس مؤسسة مستقلة في المجتمع الإسلامي، فهو نتاج تداخلات كثيرة لمؤسسات سياسية ودينية واقتصادية وثقافية واجتماعية.. وكل هذه المؤسسات تتداخل وتتدخل في الشؤون المهنية للمجال الإعلامي.. ولربما لو ترك الأمر للإعلاميين أنفسهم لكان باستطاعتهم ان يقلبوا موازين الوضع السائد إعلامياً في الوطن العربي والعالم الإسلامي ويحركوا موازين القوة الإسلامية بما يواكب طموحات القيادات العليا في المجتمعات الإسلامية وتطلعات الفرد المسلم في المجتمع الإسلامي الكبير..
ويظل المطلوب إسلامياً وعربياً ليس بيانات ختامية رنانة ومنمَّقة ولكنها مفرَّغة من أي محتوى تنفيذي.. فنحن نحتاج إلى عمل واحد فقط هو اعادة هيكلة الإعلام في المجتمع الإسلامي بما يتمشى مع التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية والعربية.. فوضعية الإعلام في مجتمعاتنا لا ترتقي إلى مستوى هذه التحديات الكبيرة التي تواجهنا في كياناتنا المحلية والاقليمية.. وما نحتاجه وكنت أتمنى أن تكون مدرجة في جدول أعمال وزراء الإعلام الإسلاميين هو اعادة النظر في أنظمة الإعلام ومؤسساته الرسمية.. فلدينا قضايا ونتاجات فكرية ورؤى واضحة، ولكن لا توجد لدينا أوعية إعلامية مناسبة لتحريك هذا الجوهر الإسلامي الكبير وتحمل مسؤوليات المرحلة الخطرة التي نمر بها..
وكنا ننتظر من مثل هذا الاجتماع، أن نقفز بقضايانا الى خطوات جديدة ولمسافات بعيدة، ولكن استراتيجيتنا الموحدة التي ربما يتبناها هذا الاجتماع ستكون على نمط «تحصيل الحاصل» و«اللهم فاشهد»، أي أنها لن تسير بنا خطوة واحدة إلى الأمام لمواجهة ظروف ومسوغات هذا اللقاء الذي نعقد له مثل هذا الاجتماع الكبير..
(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال.
- أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود.
|