تعقيباً على ما ورد في صفحة المجتمع من عدد الجزيرة 11087 ليوم الأربعاء 4/11/1423هـ عبر زاوية «نبض الشارع» تحت عنوان (المشاكل الأسرية والمعلمون من أسباب رسوبهم) أقول: إن قضية الطلاب واخفاقاتهم قضية جدُّ حساسة ومما ساد في نظر الكثيرين أنَّ المعلمين هم من يتحمل سبب هذه الاخفاقات.. باتت نظرية عقيمة وفاشلة ولا تستند الى نظريات وحقائق وأرقام.. بل بات يحكمها لديهم الاتصال المتواصل بين الطالب والمعلم متخذين هذا التقارب والتواصل دليلا قاطعاً على تأثير المعلم وأنه السبب في اخفاقات الطلاب وضعف نتائجهم.. متجاهلين في الوقت نفسه ما يتصل بالطالب من مؤثرات وملهيات وما يكتنفه من حالات نفسية خَلْقية أو خُلُقية.. أو اتجاهات سلوكية منذ المنشأ.. قد يكون لها الأثر الأكبر في هذا الاخفاق..!!
** عموماً لعلي أفتح الباب هنا على مصراعيه.. وعلى صفحات «العزيزة» ولكتَّاب هذه الصفحات المبدعة.. ولندرس ونتباحث في قضية ضعف الطلاب وأسباب رسوبهم.. متطرقين الى مسؤولية هذا الرسوب التي ألقيت برمتها.. على المعلمين وهذا عند الكثير من الناس إلى درجة أن يحكم البعض منهم إلى أنَّ ضعف أداء المعلم فقط هو السبب في مثول درجات متدنية عند نسبة كثيرة من طلاب فصل ما مثلا.. ونحن إنْ قطعنا بمثل هذا الحكم.. نكون قد أجحفنا في حق هذا المعلم الذي لا أعلم حتى الآن ما الذي يُحسد عليه وجعل الكثير يتحامل عليه.. رغم ما يواجهه المعلم من متاعب هذه المهنة الشريفة حتى ان المعلمين أصبحوا هم الشماعة التي تُعلق عليهم أخطاء واخفاقات الطلاب المتهاونين الذين يطالهم الاهمال من أولياء أمورهم أيضا.. وفي النهاية يقع اللوم دائما وأبداً على هذا المعلم.. وما علموا بأن هناك فروقات فردية بين الطلاب فمنهم النابغ اللمَّاح.. ومنهم ما هو عكس ذلك.
نعم هذه هي أسباب الرسوب:
1- قدرات عقلية قد تعوقهم عن الاستيعاب والتركيز داخل الفصل.. وإذا ما انعدمت هذه الأسباب العقلية فلا ننسى «ظاهرة الفروق الفردية» فمنهم من هو بطيء الفهم ومنهم غير ذلك ونسبة الذكاء وسرعة البديهة قد تحددان مستوى الطالب.. ومدى استيعابه. أيضاً.
2- المشاكل الأسرية وتأثيرها على الطالب من مثل الطلاق والانفصال بين الوالدين وهذا بالفعل يضع بصمات واضحة على نفسية وأداء الطالب وتجاوبه مع المعلم داخل الفصل.. ولقد اكتشفت ذلك بنفسي من خلال اكتشافي لشرود بعض الطلاب أثناء الحصة وبمتابعة حالته مع المرشد الطلابي تبين لي انه يعيش جواً اجتماعيا سيئاً يغصُّ بالمشاكل!! وكل منزل لا يخلو من المشاكل ولكن ينبغي ألا نهمل مثل هذا السبب. وتأثيره على الطالب وشروده ومن ثم ضعفه ورسوبه ثم نلقي باللوم على المعلم.
3- أيضاً ترتفع النسب في اخفاقات الطلاب إلى أسباب صحية تؤثر على الطالب وتشغله عن الاستيعاب.
4- أيضا اصابته ببعض الاعاقات التي تعيق الطالب عن التميز ومواصلة التعلم بشكل سليم كضعف في البصر أو السمع أو صعوبات النطق وصعوبات التعلم بشكل عام.
5- قد يصل الأمر الى وجود مسببات تتعلق ببعض المشكلات النفسية ووجودها في طبيعة حياة الطالب كالخجل والانطواء.. مثلا كل هذه الأمور قد تجتمع وقد تنفرد لتشكل لنا - بتراكماتها - طالبا مخفقا راسبا.. وفي كل ما ذكر آنفا من مسببات نجد المعلم خارج هذه الدائرة.. ولا يطاله اللوم فيما لو تشكل من هذه المسببات طالب مخفق!!
** إذاً ألفناها مسببات تخص الطالب وعالمه.. وطبيعة تكوينه وصحته وبما يُحاط به بما يكشف لنا ما نسبته من 80% إلى 90%.
1- كلها على الطالب وقدراته العقلية وعدم رغبته في التعلم، فدافع التعلم بات معدوما هذه الأيام عند الطلاب!
2- أيضاً يدخل ولي الامر في هذه النسبة بحكم صلته بالطالب كأب الذي كان من المفترض عليه الالتفات الى حالة ابنه وسلوكياته داخل المنزل وما يعانيه من أمراض نفسية أو عقلية - إن وُجد - ومعالجة صعوبات التعلم.. بيد أن الواقع يعكس غير ذلك.. فالأب دائما في انشغال عن ابنه.. وتبدو لنا أمور.. وتتطور احداث في حياة الابن والأب في غياب تام عن ذلك والبعض منهم لم يحرّك ساكناً!!
وعلى الرغم من تأكيد هذه المسببات وتأييدي لمثولها أمامنا بمالا يقطع مجالا للشك في أنها السبب الأول في اخفاق الطلاب إلا أني في الوقت نفسه أرى أنَّ للمعلم أيضا ضلعاً في هذا الاخفاق فتأثيره يبدو في طريقة الشرح.. وعدم تفاعل بعض المعلمين في أثناء الشرح والانشغال بأمور أخرى كالعمل والاصدقاء والسهر ومتابعة وسائل الإعلام بأنواعها، ونحن هنا نؤكد ونؤيد مثول ذلك عند بعض المعلمين!!
** قرائي الأعزاء: طُرحت دراسات كثيرة حول هذا الموضوع.. إلا أنها لم تر النور في علاج ظاهرة الضعف بفعالية تامة!!
كل ما أريد أن أثبته هنا هو أن:
1- القدرات العقلية هي التي تحدد مستوى الطالب بالدرجة الأولى.
2- يأتي بالدرجة الثانية اهتمام الطالب وولي أمره.
3- بالدرجة الثالثة المعلم الذي يتحمل ما نسبته 10% ومستوى التدني.
- ولعل الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن المعلم «مجرد مرشد إلى الطريق» فقط.. أما ما عدا ذلك من المهام يتحمله الطالب وولي أمره خصوصا في المراحل المتقدمة كالثانوية مثلا التي تعتمد على التلقين.
* أما في المراحل الدنيا.. ففي نظري أن المعلم يتحمل جزءاً كبيراً في العملية التعليمية.. مع بقاء دور ولي الأمر ماثلا في هذه المرحلة.
وهكذا دواليك تنخفض نسبة مسؤولية المعلم في نظري كلما تقدم الطالب في المراحل التعليمية والسنية.
** حقيقة ما أكثر الدراسات التي طرحت.. وما أكثر الحلول التي أوجدت ولكن لم تثبت جدواها بل لم تثبت فعالية تطبيقها حتى الآن.. إذا ما قلنا ان منها ما لم يُطبّق حتى الآن في مدارسنا.
فمتى نسمع بتطبيق تلك الفصول العلاجية التي منها تتحدد الصعوبات والتي يعاني منها الطالب في مادة ما.. وأين هي هذه البرامج المساندة لتقوية الطلاب.. أين أثرها.. من اخفاقات الطلاب ورسوبهم.. أو هل أثبتت مراكز الخدمات التربوية جدواها في الدروس الخاصة؟؟
** بالفعل نحن نفتقد إلى كثير من الواقعية في التطبيق.. نخشى أن تكون أهدافنا حبراً على ورق!! الأمر الذي يجعلنا نستشعر ضرورة مناقشة سلوك الطلاب داخل الفصل والتركيز على الضعاف منهم وتشجيعهم.. إلى دفعهم إلى المشاركة في الأنشطة اللامنهجية من رحلات وغيرها قد تحببهم في المواد وذلك بعقد اجتماعات تُفعّل مضامين تقاريرها.. لا أن تكون حبيسة الأدراج.. فلسنا في حال ان ننفض الغبار عنها!!
** نحن كمعلمين مازلنا نفتقد الى اجتماعات خاصة وفعلية بأولياء الأمور نرفع من خلالها من مستوى طلابنا الدراسي والخلقي ولنطلع الآباء بما هو خافٍ عليهم من سلوكيات أبنائهم ونتداركها!!
** أيضاً تفعيل دور «المرشد الطلابي» الذي بات دوره في نظري هامشياً.. لا يتجاوز حصر مواد الضعف واعداد استبانة وتقرير مفصل وشامل عن المواد الدراسية بعيداً عن الخوض في سلوك الطالب وتعاون المرشد مع ولي الأمر فيما يخص الطالب بشكل متواصل.. لم نجد تفعيلاً لذلك إلا ما ندر.. من حالات طارئة تستدعي حتمية هذا التواصل!!
** وختاماً أؤكد أن أساليبنا التربوية باتت في بطون الكتب لم تتبع.. وقبل أن نلقي باللائمة على المعلمين لندرس الموضوع من جميع جوانبه.. ولننظر بتلك النظرة الشاملة الثاقبة.. ولا نريد أن نلقي بالأحكام جُزافاً دونما أن نستدلَّ بما يثبت حكمنا بالبرهان القاطع وبالارقام والاحصائيات.. ففي هذه المساحة.. دعوة إلى كل مربٍ..
وإلى كل معلم وإلى كل ولي أمر أن يستشعروا أن أمر الطالب بات في أيدي الجميع.. ولم يعد منغلقا أمره على معلمه فقط!! ولنخفف وطأتنا على حملة رسالة التبليغ بالعلم.. فكفاهم مسؤولية أعباء هذه الأمانة المنوطة بهم..
ولنكتبْ في هذه القضية ما تمليه علينا عقولنا ويمليه واقعنا بعيداً عن عاطفة الوظيفة!!
أسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الاخلاص في القول والعمل.. والله من وراء القصد.
سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي/متوسطة صقلية / المذنب
|