ثمة فواصل دافئة تحمل بين ظهرانيها علاقة متينة ورؤى جميلة تسمى صداقة فالصداقة تفيض على الأفئدة بشيء من الدفء والحنان وشيء من الحب والاطمئنان فالإنسان بطبيعته اجتماعي لايمكن ان يعيش بمفرده فهو محتاج إلى صديق يشاطره آلامه وأحزانه وأفراحه وأتراحه.
ومع كثرة خناجر الغدر وأسهم الخيانة ورماح النكران في هذا الزمن بالذات تكون حاجتنا إلى الصديق ماسة خوفاً من الضياع في دهاليز الحياة.. إن الصداقة نعمة من نعم الله فالحياة لا تستقر على وتيرة واحدة فالمقيم يرحل والمسافر يحضر وهكذا دواليك لذا نقول إن الصداقة ضرورة من ضروريات الحياة ليقف الصديق مع صديقه يواسيه ويزرع في نفسه الثقة حين السفر ويشحنه بجرعات من النصح فيشعر هذا المسافر بأنه ليس وحيداً وان الحياة مازالت بخير.والصديق أيضا بحاجة إلى من يقف معه وقت الأزمات والشدائد فتكون العلاقة متبادلة بينهما.
وإذا عرفنا ان الحياة بحر لا ساحل له وان من طبيعتها التقلب وعدم الثبات احتجنا أكثر وأكثر إلى صديق نعلق عليه الآمال نزرع صداقته في أرض ترفض ان ينال منها الجدب نلمح في عينيه بريق الذكاء وفي شخصيته جدية الأخذ والعطاء وفي كلامه عذوبة الماء حينها نستطيع ان نعتبر ذلك الصديق رئة نتنفس بها وعيناً نبصر بها وأذناً نسمع بها، وإذا لم نجد صديقا بتلك المواصفات فلنقل معاً ما قاله الشاعر:
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا
|
إن المجتمع أمامنا مليء بالبشر ومابقي إلا ان ننتقي صديقاً كما ننتقي أطايب الثمر فعملية الفرز ليست سهلة خصوصا ان الصديق الصدوق أصبح عملة نادرة ومع كثرة الأصدقاء إلا أنهم يحجمون في بعض المواقف ويؤكد ذلك قول الشاعر:
ما أكثر الإخوان حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليل
|
فالبحث عن صديق يحتاج إلى مشقة وجهد وعناء وتمحيص وأخذ وعطاء حتى لا نقع في شراك صديق ضرره أكثر من نفعه.
فيا باحثاً عن صديق إياك إياك ان تنخدع بصديق المصالح الشخصية والمطامع الفردية وتمعن كثيراً حين اختيارك لصديقك فهو مرآتك فاختره من خير البشر واقترب من ذي الخلق حينها سيكون لصداقتك معه حلاوة ولتآلفك معه طلاوة واحرص عليه كحرصك على نفسك أو أكثر ناهجاً قول الشاعر:
أما الصديق إذا أدركت معدنه
فاحرص عليه فذاك العطر والذهب
|
فلندقق النظر ولنرجع البصر عند اختيار الصديق ولنترك العواطف جانباً حينها سنظفر بصديق يحمل في كيانه حباً وبين جوانحه قلباً حقيقياً.
وحين نظفر بصديق مخلص لابد ان نجدد صداقتنا معه دائماً لأن : «الصداقة تبهت وتحتاج إلى صقل ..
يقول كمال عثمان حسين: «الصداقة كابريق الشاي الفضي قد نهمله فيبهت ولكن حين نصقله يعود إلى بريقه كما لو كان جديداً».
* مرفأ:
ليس في الحياة أجمل ولا أرق ولا أحلى من الصداقة الحقة التي اعتبرها شخصياً روحاً في أجساد متفرقة فماعلينا إلا ان نحافظ على ذلك الصديق محافظتنا على أنفسنا مرددين ما قاله الشاعر:
فاختر صديقك واصطفيه تفاخراً
إن القرين بالمقارن يقتدي
|
|