من المعلوم في علم الحديث، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الحرص الشديد من الصحابة رضي الله عنهم في دقة روايتهم لأقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام بصورة تثير الاعجاب، وهي صورة مشرقة تتفرد بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم دون الأمم، ولعل هذا من توفيق الله لهذه الأمة التي جعلها وسطا بين الأمم، وجعل نبيها خاتم الأنبياء، ودينها أكمل الأديان فكان لابد أن تكون هذه الأمة - خاصة في عصر البعثة والرسالة - على مستوى هذه المسؤولية العظيمة التي ميزها بها الله عز وجل، وفضلها بها على الأمم الأخرى.
عن نافع عن ابن عمر قال: سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة، وفي رواية أخرى: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة.
لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم صبيحة رابعة في عمرة القضاء، قال المشركون انه يقدم عليكم وقد وهنتْهم حمَّى يثرب فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا رغبة في الابقاء عليهم، وقد ثبت في حجة الوداع ان الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فرمل ثلاثاً - أي أسرع في مشيه - ومشى أربعا، وطاف مضطبعا برداء أخضر.
عن ابن عباس قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن وفي رواية : طاف بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار اليه.
عن ابي يعفور العبدي قال: سمعت شيخا في امارة الحجاج بن يوسف يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر انك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، ان وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وكبر.
يروي جابر صفة سعي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: ثم خرج - بعد الطواف - من الباب الى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ «إن الصفا والمروة من شعائر الله»، أبدأ بما بدأ به الله، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل حتى إذا انصبَّت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر الى البيت فقال عليها كما قال على الصفا.
عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عبد الملك بن مروان كتب الى الحجاج بن يوسف ان يأتم بعبد الله بن عمر في الحج، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس، أو زالت الشمس فصاح عند فسطاط الحجاج: أين هذا؟، فخرج إليه، فقال ابن عمر له: الرواح، قال الحجاج: الآن؟ قال ابن عمر: نعم، قال: أنظرني حتى أفيض علي ماء، فنزل ابن عمر حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي، فقلت: إن كنت تريد ان تصيب السنَّة اليوم، فأقصر الخطبة وعجل الوقوف، فقال ابن عمر: صدق سالم.
عن ابن عباس قال: بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال: فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا.
عن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف فأتانا ابن مربع الانصاري فقال: اني رسول رسول الله اليكم يقول لكم: كونوا على مشاعركم فانكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم.
عن ابن عمر، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».
هذه - أيها الأحبة - صور ومواقف سريعة التقطها لنا الرواة الأماجد من حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرته، ومن حج بعض أصحابه، تتضح لنا فيها أمانة الرواة، وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم أمته في كل موقف وقفه، وحركة تحركها وكلمة قالها.
كما يتضح لنا الربط القوي بين رسالات الأنبياء جميعا الوارد في تذكير الرسول صلى الله عليه وسلم للناس بأنهم على إرث من إرث ابراهيم، وفي قوله الصريح ان الأنبياء جميعا دعوا يوم عرفة بما دعا به خاتمهم عليه الصلاة والسلام «كلمة التوحيد الخالص» صور وصور، وعبر تتلوها عبر، فما أسعدنا بهذا الإرث النبوي العظيم.
إشارة:
|
يشرق الإسلام في كل مكان
صافي النبع قوي اللمعان
|
| 
