Thursday 13th february,2003 11095العدد الخميس 12 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل قرأ البيت الأبيض رسالة صدام ؟ هل قرأ البيت الأبيض رسالة صدام ؟
د. حميد عبد الله (*)

لم يتوقف المراقبون طويلاً عند حديث الرئيس العراقي مع النائب البريطاني انطوني بن برغم ما انطوى عليه ذلك الحديث من دلالات واشارات قد تشكل انعطافة واضحة في الموقف العراقي من قضيتين اساسيتين هما : العلاقة مع المفتشين، وما يمكن ان تشهده من تعاون اكبر واستجابة اوسع من جانب بغداد، والعلاقة مع واشنطن واستعداد العراق لتفعيل خيار (التعاون) بدلاً من خيار ( الصراع ) والتلميح للولايات المتحدة بان بامكانها ان تحقق بالتعاون ما تسعى الى تحقيقه بالحرب، بكلفة اقل، وسمعة افضل، وبمنأى عن هامش المغامرة، او ما تنطوي عليه المواجهة العسكرية من احتمالات ومفاجآت.
ان آخر مرة تحدث بها الرئيس صدام حسين للإعلام الخارجي كانت في كانون الثاني( يناير ) عام 1991، حيث اجرت معه شبكة (سي. ان. ان) حواراً تحت وابل من القصف الامريكي على بغداد، وعلى مدى اكثر من 12 عاماً لم يدل بحديث لاية قناة اعلامية عربية او اجنبية.
ولم يكن صمت الرئيس اعتباطاً بل ان احاديثه في الداخل العراقي وهي كثيرة قد تغني عما يمكن ان يقال للاعلام الخارجي. ثم ان الادلاءبحديث من قبل شخص باهمية صدام حسين لابد ان يكون محسوباً بدقة من حيث الموضوع والتوقيت ومن حيث مايراد ايصاله من مواقف ومستجدات وآراء للعالم عموماً ولمن تعنيهم تلك الآراء بوجه اخص، وواشنطن بالطبع هي اولمن يعنيها ذلك، حتى وان تجاهلت، او تظاهرت بعدم الاكتراث.
الملفت في حديث الرئيس العراقي ان نبرته لم تكن مدببة مع موضوع المفتشين الذي يعد من اكثر الموضوعات حساسية بالنسبة لصدام حسين، فالرجل يتحاشى ذكر المفتشين وان ذكرهم فلا يخلو حديثه عنهم من التشكيك بنواياهم والنقد اللاذع لتصرفاتهم، لكنه هذه المرة وصف عملهم بانه عمل كبير، وعمل كهذا لابد ان ترافقه اشكالات ومواقف خلافية، وهو اشارة واضحة عن استعداد العراق لتعاون اكبر، وتفهم اعمق لمشاغل المفتشين، فالعراق وان انتقد تصرفاً من هذاالمفتش، او استفزازاً من ذاك الفريق الا انه سيبقى حريصاً على التعامل بصبر وسعة صدر مع المفتشين، وان العتب وان كان مراً فانه لايثلم من تعاون العراق ولا يفسد العلاقة بينه وبين المفتشين الى حد الطلاق.. هكذا اوحى صدام حسين لمن يعنيهم الامر، والمح لمن يفهم الاشارة، وربما ستترجم الدبلوماسية العراقية ما المح اليه صدام حسين الى خطاب سياسي صريح وجديد بنبرته وتوجهه.
القضيه الأخرى التي كانت الاشارة اليها اوضح، والتلميح اليها افصح هي العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية.
لقد بعث الرئيس صدام حسين، وقبله نجله الأكبر عدي برسالة واضحة المضمون والدلالات الى ساسة البيت الابيض مؤداها ان مكاسب الولايات المتحدة ستكون اكبر اذا مارجحت خيار التعاون مع بغداد على خيار الحرب، وان العراق صديق يعول عليه، وعدو لايستهان به،واذا ما فكرت الولايات المتحدة ان تمد يدها الى بغداد مصافحة فان بغداد تعطي للصداقة حقوقها، وكان عدي اكثر مباشرة من والده حين قال ( ان مكاسب الولايات المتحدة ستكون اكبر اذا ما تحاورت او تعاونت مع العراق)، وكانت عبارات الرئيس وهو يتحدث عن الولايات المتحدة هادئة وخالية من شحنات الغضب على عكس عادته عندما يذكر السياسة الامريكية.
من يتمعن بكلمات صدام حسين، ويقرأ السطور وما بينها، يلمس ان ثمة مبادرة سلام طرحها الرئيس العراقي، او ان حديثه كان حديث سلام وتسامح اكثر منه حديث تحد و حرب.
ربما اراد صدام حسين من خلال حديث المبادرة الذي ادلى به، ان يكشف حقيقة النوايا الأمريكية، فان كانت واشنطن تهدف من وراء تهديداتها الى زيادة الضغط النفسي على بغداد لانتزاع اكبر قدر من التنازلات والحصول على اكبر قدر من المكاسب فان العراق قد فتح الباب على مصراعيه والقى الكرة في شباك واشنطن.منتظراً رداً واضحاً على (مبادرته) بالسلب أو الايجاب.
وحتى الان لم تصدر عن البيت الابيض اية اشارة توحي بان جنوح العراق للسلم بهذا النحو الواضح قد لقي صداه عند الادارة الامريكية، وكل شيء ما يزال يوحي بان خيار (الاستيلاء) هو المفضل لدى واشنطن وان خيار (التعاون ) غير مطروح، في العلن على الأقل. لكن هذا لايعني ان واشنطن قد اغلقت آذانها عما قاله صدام حسين، وحتى لو كانت قد فعلت ذلك او تظاهرت به فإن العالم قد انتبه جيداً لما صدر عن بغداد وعلى لسان الرجل الاول فيها من دعوة صريحة لالقاء السلاح وتغليب لغة الحوار على على لغة البنادق.
المراقبون في العاصمة العراقية يعتقدون ان خطاب التسامح العراقي سيتواصل خلال الاسابيع القادمة، مقترناً بتعاون اكبر وشفافية اوضح مع المفتشين،وباستعداد للمواجهة العسكرية بكل ما تنطوي عليه من احتمالات ومفاجآت،وبكل ما اوتي العراق من وسائل للدفاع عن نفسه، واذا كان كل شيء ممكناً في لعبة السياسة، فليس من المستبعد ان يستفيق العالم على (مفاجأة اللحظة الاخيرة ) فيكتشف ان جعجعة واشنطن ليست سوى زوبعة لترويع من يحتاج الامريكان ترويعهم، ليتم انتزاع التنازلات وحصد المكاسب على طاولة المفاوضات وليس في خنادق القتال.. وكل شيء قابل للتغير والتغيير الا التغيير ذاته.

(*) كاتب وصحفي عراقي

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved