إشارة لما تناوله البعض في صحيفة الجزيرة حول مسألة ذبح الأضاحي بالخارج فمن نعم الله علينا في هذا العصر ان سخر لنا مؤسسات خيرية تقوم بإغاثة المسلمين وعونهم ودعوتهم وقد ابدعت هذه المؤسسات في انجاح عملها عبر برامج مبتكرة ويسيره ومن ذلك مشروع ذبح الأضاحي في بلاد اخرى للمسلمين تعاني من الفقر والفاقة وقد قوبل هذا المشروع بتأييد من بعض العلماء واعترض عليه علماء آخرون.
لذلك أود المشاركة بهذه الملاحظات حول هذه المسألة:
1 الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - قال عن إخراج الاضاحي للخارج:« انه جائز لكنه خلاف السنة». انظر لقاء الباب المفتوح 4/83.
اذاً الشيخ لم يحرم هذا العمل كما فهم كثير من الناس من نهيه عن ذلك.
2 وقال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - ايضاً:« فان قال قائل لو كان في المسلمين مسغبة وكانت الصدقة بالدراهم أنفع لسد ضرورة المسلمين فأيهما اولى؟
الجواب: في هذه الحال نقول: دفع ضرورة المسلمين اولى لأن فيها انقاذاً للارواح واما الاضحية فهي إحياء للسنة فقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل - الشرح الممتع 7/522 - والاخوة في المؤسسات الخيرية لا يقولون تصدق بدراهم الأضحية على المحتاجين في الخارج، بل يقولون أذبح أضحية هناك فتكسب اجر الاضحية واجر الصدقة على المحتاج.
3 قال صلى الله عليه وسلم:« من ضحى منكم فلا يُصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء» فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« كلوا واطعموا وادخروا فان ذلك العام كان في الناس جهد فأردت ان تعينوا فيها» رواه الإمام البخاري. وفي رواية لمسلم «إنما نهيتكم من اجل الدافة التي دفت» والدافة قوم من الأعراب جاءوا للمدينة طلبا للمساعدة. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن امر مباح وهو الادخار لاجل مساعدة هؤلاء - وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الحديث غير منسوخ بل متى وجدت مجاعة حرم الادخار - انظر مجالس عشر ذي الحجة للشيخ عبدالله الفوزان ص100.
فانظر كيف وظف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشعيرة في سد حاجة المسلمين؟
4 ان الشيخ ابن جبرين له فتوى في الحث علي المشاركة في الاضاحي التي تذبح في الخارج، وكذا الشيخ سليمان العلوان فالمسألة اجتهادية وليس فيها نص ملزم.
5- ان في ذلك إقامة لشعيرة ذبح الأضاحي في تلك البلاد التي تعطلت فيها اقامتها بسبب الفقر، وفي ذلك إحياء لسنة مهجورة هناك خصوصا في البلاد التي انعتقت من الشيوعية، فقد كان المسلمون هناك لا يعرفون الاضحية لكنهم عرفوها من خلال المؤسسات الخيرية عبر هذا المشروع.
6- لا يلزم من هذا المشروع فوات إظهار الشعيرة هنا كما قال بعض المعارضين للمشروع بل قد ثبت من خلال استفتاء قامت به مؤسسة الحرمين بين المتبرعين ان الغالبية منهم ليست هذه أضحيته الاصلية بل هي زائدة، اما من قال ان هذه اضحيته فقال انه يعجز عن ثمنها هنا ويستطيعه هناك فلماذا يحرم من الأضحية؟ ولانه لا يتصور أن يجمع الناس على تركها هنا ثم لو اجمعوا على تركها فهي باقية في مكة بسبب الحج حيث يذبح هناك عشرات الالاف.
7 اما خشية فوات ذكر اسم الله عليها اذا اخرجت في الخارج كما قال بعض المعارضين للمشروع فهذا ينتفي إذا كان الوكيل ثقة واما فوات الاكل منها فألاكل منها مستحب ودفع حاجات المسلمين وضروراتهم كالجوع مثلاً ان لم يجب فهو اولى وافضل من تركه لاجل سنة.
8 اما مسألة عدم معرفة المضحي لوقت الذبح هل يكون أول يوم ام ثالث يوم لانه ملزم بعدم الأخذ من شعره واظافره فيبقى معلقا، فالجواب عليه ان الفرق بسيط ويمكن الصبر عليه بعدم الاخذ من الشعر والاظافر حتى ثالث يوم مادام ان الحاجة والمصلحة أعظم.
9 انه يلزم من منع التوكيل في الأضاحي الذي تتولاه المؤسسات الخيرية منعه كذلك في الهدي في مكة والذي تتولاه مؤسسات تجارية؟!.
10- ان الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل هدية مع ابي بكر إلى مكة مع بقائه في المدينة ووكله على ذبحه.
11 ان اعظم الاجر على عظم الحاجة وهناك الحاجة اشد . قال الله عز وجل: {..لا يّسًتّوٌي مٌنكٍم مَّنً أّنفّقّ مٌن قّبًلٌ الفّتًحٌ وّقّاتّلّ أٍوًلّئٌكّ أّعًظّمٍ دّرّجّةْ مٌَنّ الذٌينّ أّنفّقٍوا مٌنً بّعًدٍ وّقّاتّلٍوا وّكٍلاَْ وّعّدّ اللَّهٍ الحٍسًنّى"..}.
12 الاستفادة منها في مجال الدعوة إلى الله فبسببها يزيد القبول للدعاة ويسمع كلامهم وقد حدثني أحد العاملين في هذا المشروع ان كفاراً في إحدى القرى اسلموا بعدما رأوه يذبحها بنفسه لإخوانه المسلمين في تلك القرية.
13- ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بالتصدق على الدافة من غير الأضاحي بل استفاد من هذه الشعيرة في سد حاجة الدافة.
14- ان من لديه عدد من الأضاحي هو المخاطب والمطلوب منه المشاركة لا من ليس لديه إلا واحدة وذلك يمنع محذور ترك إقامة هذه الشعيرة.
15- أن كثيراً من الطلاب لا يستطيعون ثمن الأضحية هنا ويستطيعونه في الخارج وبذا نزيد عدد الأضاحي والمضحين.
16-أن كثيراً من الموظفات والنساء يرغبن في الأضحية ولا يرغبن في الإثقال على الأهل بها إضافة لاضاحيهم، لذا فاتاحة الفرصة لهن في المشاركة في الخارج أفضل من تركهن لها.
17- انه يترتب على المنع، منع إقامة شعيرة إسلامية هناك، ومنع الطعام عن المحتاجين، وإيقاف سبيل من سبل الدعوة، ومنع فئات من المجتمع لا تستطيع التضحية إلا هناك. ومنع خير متحقق خوفاً من محذور محتمل بعيد.
والله اعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين..
إعداد/ ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
المشرف على مكتب مؤسسة الحرمين الخيرية بالمجمعة/استاذ علوم الشريعة بالمعهد العلمي بالمجمعة
|