في البداية يجب الإشادة بالدور العظيم والجهد المتواصل الذي بذله ويبذله معالي وزير الخدمة المدنية نحو تطوير أنظمة الخدمة المدنية بما يخدم القواعد والإجراءات الخاصة بها، ويساعد على توجيه القوى العاملة إلى أفضل الطرق، وعلينا أن ندرك أن هذا الدور لم يكن ليتحقق لولا هذه الرغبة الصادقة في التطوير، من خلال البحث عن الجوانب الإيجابية في المسائل المتعلقة بشؤون الخدمة المدنية، واقتراح الأنظمة واللوائح التي تساعد على الارتقاء بمستوى الأداء، وتوجيه الأجهزة الحكومية إلى أفضل الطرق لتنفيذ تلك الأنظمة واللوائح والقرارات والتعليمات الخاصة بشؤون الخدمة المدنية، ولاتزال الدولة وكذلك المواطن يتطلعان إلى أن تقوم هذه الوزارة بدورها على أكمل وجه، فهي بمثابة المحرك لكل الأجهزة الحكومية بما تتحمله من مسؤولية استقطاب أفضل القوى العاملة، وتلمس جوانب النقص، ورفع مستوى الأداء، وتنمية إدارات الأفراد، وتطوير أهداف هذه الأجهزة من خلال تنفيذ الأنظمة والتعليمات بكل دقة وفعالية.
إننا اليوم أمام مرحلة تطورت فيها الأعمال الإدارية، وزادت فيها مسؤوليات الأجهزة الحكومية حتى أصبحت مطالبة بأكثر مما تقدم، وبدأ التنظيم الإداري يزيد من اعتماده على وزارة الخدمة المدنية في تنفيذ إجراءاته من خلال الدور التخطيطي الذي يجب أن تقوم به الوزارة في تقدير الاحتياجات المستقبلية من التخصصات التي تتطلبها تلك الأجهزة، وما تحتاجه القوى العاملة من خطط وبرامج تهدف إلى تطويرها وزيادة فاعليتها لتكون قادرة على التنفيذ، بما يتواكب ومتطلبات المرحلة القائمة التي بدأت تعتمد على المستجدات العصرية من حاسب آلي، وأجهزة اتصال، وتدريب متواصل.
لقد كسرت هذه الوزارة القاعدة القائلة: «إنه ليس بالإمكان أفضل مما كان»، حيث قدمت جزءاً من امكاناتها في تطوير الخدمة المدنية، وتوج ذلك بالعديد من القرارات التي تصب في مصلحة شؤون الخدمة المدنية، ولسنا هنا بصدد الاستعراض العام لما تم، وإنما نحصر النقاش حول الموضوع الرئيس لهذا المقال وهو المتعلق بأوضاع العاملين على نظام الساعات، فالجميع يقدر ويثني على ذلك القرار الذي صدر من مجلس الخدمة المدنية برقم «466» وتاريخ 23/11/1417هـ بناء على اقتراح معالي وزير الخدمة المدنية بإثبات العاملين على نظام الساعات، الذي يعد أفضل قرار صدر في مجال التوظيف حيث استفاد منه ما يزيد على عشرة آلاف مواطن كانوا بأمس الحاجة إلى هذه الوظائف، واستفادت منهم الأجهزة الحكومية بسد النقص الحاصل لديها، وهم الآن يقومون بأعمالهم على أفضل وجه، ويشقون طريقهم نحو الأفضل.
ولم يكد المواطن ينتهي من تلمس الجوانب الإيجابية لذلك القرار حتى يفاجأ بكل سرور وبهجة بصدور قرار لا يقل قوة عنه وهو قرار مجلس الخدمة المدنية رقم «1/815» وتاريخ 20/8/1423هـ المعتمد بالأمر السامي رقم «7/ب/37856» وتاريخ 21/9/1423هـ القاضي بتثبيت المتعاقد معهم وفق قواعد العمل بالساعة، وكان هذا القرار قد اتخذ بناء على ما رفعه معالي وزير الخدمة المدنية برقم «1025/1» وتاريخ 7/8/1423هـ باقتراح دراسة امكانية النظر في معالجة وضع من تم التعاقد معهم على نظام الساعات بتثبيتهم رسمياً على الوظائف التي تم التعاقد معهم عليها.
لقد جاء هذا القرار كلفتة كريمة من الدولة إلى أبنائها المواطنين، بما يساعد على استقرار مجموعة كبيرة من أبناء المجتمع على تلك الوظائف التي تم التعاقد معهم عليها، وأثبت هذا القرار أن ولاة الأمر في هذا البلد لا يألون جهداً في خدمة المواطن، متى ما وصل الأمر إليهم، لكن المواطن يعاني أساساً من عدم قيام بعض المسؤولين في بعض الأجهزة التي تملك القرار من رفع ما يدخل ضمن نطاق اختصاص أجهزتهم التي يشرفون عليها، أو اقتراحاتهم الإيجابية، أو التي فيها مصلحة للوطن أو المواطن، مما يجعل المواطن يتطلع ويتلمس الحل أمام عتبات بعض الأجهزة التي لا يقدر بعض المسؤولين فيها تلك المهام المنوطة بهم، وبالتالي يعجز عن حل مشكلته ويجعله يرمي هذا الفشل على الجميع!!
إن هذه المبادرة التي تبناها معالي وزير الخدمة المدنية التي توجت بالموافقة الكريمة لا تحتاج إلى مزيد من الشرح، وأعتقد أن الكل أثنى عليها في الصحف والمجالس والمنتديات حيث أصبحت حديث الناس هذه الأيام.
لكننا أمام مشكلة تعلقت بالتطبيق الفعلي لهذا القرار، وبدأ البعض من المختصين في إدارات شؤون الموظفين يلتمس بعض التفسيرات التي قد لا تصب نحو الهدف العام، ومثل هذا القرار الذي يشكل مستوى عالياً، المسؤولية يجب أن تكون جوانب التطبيق فيه متوازية مع أهدافه، ولا نترك ذلك لتفسيرات أحادية متشددة، حتى وإن طُرحت آراؤها بحجة تطبيق النظام، لأننا أمام هدف معلن لم تبخل الدولة أيدها الله في تحقيقه للمواطن، وهو استفادة أكبر قدر ممن يشملهم نطاق تطبيق القرار، ونحن بدورنا نضع هذه المشكلة المتعلقة بالتطبيق أمام معالي وزير الخدمة المدنية فهو الحريص على نجاح هذا القرار، من خلال إدراكه لأهدافه العامة.
المشكلة تتمثل في «من الفئة التي يشملها هذا القرار؟» هل يؤخذ عند تفسير نطاق تطبيقه في الجانب الموسع أو الجانب المضيق؟ القرار نص في فقرته الثانية على ما يلي: «أن يكون التعاقد قد تم قبل سريان قرار مجلس الخدمة المدنية رقم «1/788» وتاريخ 15/6/1423هـ في 29/7/1423هـ».
ثم نص في الفقرة الثالثة على: «أن يكون على رأس العمل عند تبليغ هذا القرار...»، أي في 10/10/1423هـ.
وهذان النصان يحتملان مفهومين:
الأول: أن كل من تم التعاقد معه قبل 29/7/1423هـ يشمله هذا القرار بصورة مطلقة.
الثاني: أن هذا القرار لا يشمل إلا الأشخاص الذين هم على رأس العمل بتاريخ 10/10/1423هـ، وهذا يعني أنه خاصة بمن تم التعاقد معهم بعد 11/10/1422هـ.
ثم يثار سؤال آخر: يتمثل في:
ماذا عن الأشخاص الذين انتهت عقودهم بعد 27/7/1423هـ وقبل 10/10/1423هـ؟
ألا يمكن أن يستفيدوا من أحكام القرار في حالة الأخذ بالمفهوم الواسع؟
إن مشكلة التطبيق ترتبط بالمفهوم، ويجب ألا يترك ذلك لاجتهادات بعض المختصين في إدارات شؤون الموظفين ممن تكون نظرتهم قصيرة جداً، ولا يرون أبعد من حجم الورقة التي أمامهم، وعلى وزارة الخدمة المدنية ألا تترك الجهات تتخبط في ذلك، ويكون لها آراء متضاربة، مرة يشمل ومرة لا يشمل، وفي كل الأحوال يجب أن نربط تفسير ذلك بالهدف العام من وراء هذا القرار، بحيث نوسع نطاق التطبيق ليشمل أكبر عدد ممكن ممن تم التعاقد معهم على نظام الساعات، لأننا ندرك أن الدولة تهدف من ورائه إلى تحسين أوضاع مجموعة من هؤلاء، وإذا ما أخذنا بالمفهوم الضيق لتطبيقه فإننا لا نخدم ذلك الهدف العام، وبالتالي تضيع الفرصة على مجموعة كبيرة ممن كانوا يتطلعون إلى الاستفادة منه، كما نحرم الأجهزة الحكومية من الاستفادة من بعض الخبرات التي أثبتت جدارتها، وأهم من ذلك كله «إيجاد أكبر قدر من فرص التوظيف للمواطن»، وهذا يتماشى مع رغبة الدولة وتطلعها وتأكيدها على أن يكون هذا الهدف المعلن هو أهم الأهداف.
وقفه للتأمل: أورد ابن ماجة في سننه حديثاً روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه». انظر سنن ابن ماجة، رقم الحديث «237».
|