الكتابة عن موسم الخير وعن هذا الحشد والتجمع العبادي الكبير لها طعم وميزة خاصة، فالحبر يجد جداول كثيرة للتدفق والقلم يجد ميداناً واسعاً للتحرر والتحرك تدفق الحجيج من كل ناحية وحضورهم وتجمعهم في مكان وزمن واحد خضوع وخشوع الحجاج وسلامة نفوسهم تجمعهم «لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».
ويدفعهم ويحثهم قوله عليه الصلاة والسلام «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» وقوله عليه الصلاة والسلام «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» فالكل يتحرك عبر مشاعر ونسك مقننة في أيام معدودة ليصل الى الحج المرور والسعي المشكور.. فهذا المشهد وهذا التحرك الدقيق في موقف شديد الزحام يرفعون أكف الضراعة الى الله.
لا شك انه يحرك المشاعر ويدفع القلم بقوة لمعانقة سطور الورق والتفجر بسيل من العبارات الممتلئة بمشاهد هذا الموقف والمؤتمر الاسلامي الكبير.. وعندما يحتشد الجمع ويتراحم المشهد على صعيد عرفة تتجلى قيمة هذا الموقف وتبرز ميزة هذه العبارة ففي بقعة صغيرة ومكان محدود من الأرض يجتمع فيه ملايين من البشر بلباس واحد ومستوى وهدف واحد وبصوت واحد «لبيك اللهم لبيك.. لبيك، لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» نعمة العبادة.. ونعمة الثقافة التي سرّبت الخضوع والطمأنينة والهدوء والتضرع الى نفوس هؤلاء الملايين من الحجيج لا صراخ ولا ضجيج {\دًعٍوا رّبَّكٍمً تّضّرٍَعْا $ّخٍفًيّةْ إنَّهٍ لا يٍحٌبٍَ پًمٍعًتّدٌينّ} يا له من موقف وما أجمله من مشهد تستعد وتتهيأ له السماء وتحضره الملائكة فيعجب الله سبحانه بهذا الجمع ويباهي بهذا المنظر ملائكته..
الحج كله يتجمع في يوم عرفة «الحج عرفة» قال عليه الصلاة والسلام يوم عرفة، يوم عظيم له مكانة مقدسة في نفوس المسلمين. يوم تحتفي به السماء قبل الأرض. يوم عرفة يوم المباهاة والدنو الإلهي من الدار الدنيا.. إنه يوم التجمع الكبير، يوم العتق من النار، يوم التوبة والرحمة والمغفرة، إنه منظر عجيب لا شبيه له ولا يذكرنا إلا بيوم النشور. يوم نخرج لرب العالمين لا تخفى منا خافية. تجرد الانسان في هذا الموقف من كل شيء، ترك بلده وأهله وماله وجاء متزراً رداءً مبسطاً أبيض ليقف بخشوع وصمت يناجي فيها الله سبحانه وتعالى ويناديه بتذلل وخضوع..
أمام هذا المشهد تتلعثم وتتوقف مشدوهة مبتهرة كل الحضارات والثقافات. بل تعجز أن تنجب مثل هذا التجمع الكبير وتعجز ان تنظم مثل هذا الكم وتسكن الطمأنينة في نفوسهم..
أمام تكبير الحجيج وتلبيتهم ودعائهم تسقط كل الشعارات وتبقى راية الحق منتصبة خفاقة «ولا إله إلا الله محمد رسول الله» ترفرف تنشر العدل وتدعو للسلام.
ملتقى الخير وموسم التدفق والعطاء فرصة سانحة لابراز المزايا ونشر القيم.. فرصة لبعث رسالة عميقة عن معاني وسمو هذا الدين ليقرأها الآخر ويعي مضمونها.. فرصة لرسم لوحة مضيئة مشرقة يخطها ويرسمها الحجيج بأناملهم ليطلع العالم عبر وسائل الاعلام المقروءة والسمعبصرية على مبادىء وقيم ومفاهيم هذا الدين السامية.
|