لست متأكداً من اسم الشركة فالقضية قديمة بعض الشيء. أخشى أن أذكر اسم الشركة التي في بالي فأقع في شر أقوالي. فكما سبق أن قلت من واجبي ككاتب أن أذكر اسم الشركة الأهلية أو العالمية التي ترتكب مخالفات تسبب الأذى للإنسان. تتذكرون في سنة من السنوات سوقت شركة عالمية حليباً منتهي الصلاحية أو خربان أو فيه بلاء. وقد تم توزيع أغلب هذا الحليب في بلدان العالم الثالث والله أعلم المملكة كانت بين تلك الدول. لا أتذكر هل مات أحد بسبب ذلك الحليب أم لا. الأهم أنه تضررت سمعة الشركة ليس بسبب تدخل سلطات العالم الثالث ولكن بسبب من الشركات الأخرى المنفاسة. ولكن شركتنا تلك لها خبرة كبيرة في التسويق وغسيل الدماغ جعلتها تعود للسوق أقوى مما كانت، عبر حملة إعلامية ذكية. فبدلاً من الدفاع اعتمدت الهجوم. فبدلاً من الاعتذار والتعهد بتصحيح الوضع قامت الشركة ووضعت لنفسها شعارا ما زالت تستخدمه حتى الآن. وهو الشعار الذي يقول «تضمنه لكم الشركة الفلانية». بهذا الشعار قلبت المعنى وأصبحت شركة تعطي ضمانات لا شركةمنتجة فقط. أي أنها مرجع في الدقة والإخلاص والجودة. فهي تضمن لكم هذا المنتج أو ذاك. والآن هي أقوى شركة حليب عالمية على الأقل في سوق المملكة. وقد عوضت خسارتها بأن رفعت الأسعار وأصبح منتجها أغلى حليب في السوق. «قوة عين صحيح». ولكن هذه ظاهرة طبيعية لا أعرف لها اسماً في علم النفس وعلم نفس الإعلان كما يقولون. التحول من مشكوك فيه إلى موضع ثقة عملية تبدو مستحيلة ولكنه في الواقع عملية سهلة. وقريب من تلك القصة أتذكر صديقا مع الأسف ترك التجارة وقد توقعت له أن يكون أكبر تاجر في المملكة. كان خبيرا في أسرار البشر الشرائية. يعرف كيف يسوق أي بضاعة، تورط مرة في كمية من العطورات الخايسة المصنعة في شرق آسيا أو في إحدى المصانع في حي السبالة بالرياض. وبعد عدة أشهر وهو يزقلب في البضاعة من رف إلى آخر سحب كل الكميات الموجودة في المعرض وأعادها إلى المستودع وأبقى على عدد محدود أخفاه في داخل الأدراج. وعندما يدخل زبون، امرأة أو رجل وبعد المفاصلة والمابيعة على البضائع المعروضة وعندما يهم الزبون بمغادرة المكان يناديه صاحبي بطريقة هامسة ويقول له هل سمعت بعطر «أبو تفاحتين يا عين». طبعا الزبون لم يسمع به. بعد أن يلقي نظرة هنا وهناك وكأنه يريد أن يقول شيئاً في غاية السرية والخطورة يقول للزبون: معد بقي منه عندي إلا ثلاثة قوارير رجالي وواحدة نسائي.
يتبغور الزبون وتثور عنده شهية الممنوع عندها يقول هامسا بعد أن انطلت عليه اللعبة: خلني أشوفها. فيخرج له صاحبي القوارير ويضعها أمامه وقبل أن يتفحصها الزبون يلفها على الفور ويضعها في كيس ويمدها له بدون تردد وهو يقول سعرها الأصلي خمسين ريالا وعشانك بس بثلاثين. يضطر الزبون أن يأخذ البضاعة ويخرج بعد أن يرمي الفلوس على الطاولة ليفر بالبضاعة النادرة التي حصل عليها دون الآخرين. طبعا أحيانا يتشاطر بعض الزبائن ويطرحون بعض الأسئلة لكن هولاء قليلون جدا. وبعد فترة اعتمد صاحبي هذا المنهج البناء وراح يصرف به كل بضائعه التعبانة خاصة أن المملكة بلد الممنوع بكل المقاييس والناس ما تصدق على الله تحصل على شيء ممنوع لتشتريه. فكان صاحبي يقول لي ضاحكاً: نحن البلد الوحيد في العالم الذي يوجد فيه «ممنوع مغشوش».
|