الحج مدرسة عظيمة، فيها من التربية الروحية، والخلقية، والعملية ما يجعلها جديرة بالعناية والمتابعة لطرح نماذج العبرة، والعظة منها على المسلمين في كل زمان ومكان، وقد تيسَّر في «حج رسول الله صلى الله عليه وسلم» من مواقف التوجيه والارشاد ما يُعدُّ ثروة دينية كبيرة لا يصح لنا أنْ نهملها ولا أن نمرَّ مروراً عابراً دون توقُّفٍ قائم على التأمُّل في السيرة النبوية «في الحج» لأنَّ هذه الثروة تشتمل على جوانب مهمة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج قولاً وعملاً، وتوجيهاً، نحن بأمسِّ الحاجة إليها في هذه الأيَّام التي نرى فيها مخالفاتٍ كثيرة في الحج تدلُّ على نقص واضح في التوعية الدينية المكثقة لحجاج بيت الله الحرام.
وإنَّ المتابع لوسائل الإعلام المقروءة والمشاهدة والمسموعة المنتشرة في عالمنا الإسلامي ليأسف كلَّ الأسف على عدم وجود القدْر الكافي من البرامج والمواد الإعلامية المنوعة لتوعية قاصدي بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، وكان الأولى بهذه الوسائل أن تؤدي رسالة شاملةً في هذا الموسم العظيم، قادرةً على الوصول إلى المقبلين على الحج في أنحاء العالم، ومخاطبتهم بكل أسلوب إعلامي جذَّاب قبل سفرهم إلى المشاعر الطاهرة بوقتٍ كافٍ .
صحيحٌ أنَّ وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية تقوم بتكثيف برامج وموضوعات الحج في هذه الفترة، وأنَّ قناة «إقرأ» تفعل ذلك وبعض القنوات الأخرى ولكنَّ ذلك لا يكفي أبداً لأداء الرسالة المناسبة لمستوى هذا الموسم الإسلامي الكبير.
إنَّ صُور الحج - عبر التاريخ - كثيرة، تحتوي على توجيهات وإرشادات، ومواقف متعددة الجوانب، وفيها مادَّة إعلامية كبيرة قادرة على لَفْت الأنظار وإثارة الاهتمام، وتحقيق المتعة بما توفره من عبرٍ وقصصٍ مؤثرة على مرِّ العصور قبل الإسلام وبعده.
فقد ثبت بالرواية عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنَّ الأنبياء حجوا إلى البيت الحرام، ووصف بعضهم وهو على جمل له أحمر يسلك الطريق إلى مكة، ومنهم يونس بن متّى عليه السلام.
وفي قصة إبراهيم وإسماعيل وبناء البيت، وقصّة الذبح، ورمي الجمرات، وسعي أمّ إسماعيل في الوادي بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء لتسقي رضيعها إسماعيل ما يستحق الوقوف عنده بتفصيل يُلمُّ بجوانب العبرة كلِّها.
وفي حج الرسول صلى الله عليه وسلم من المواعظ والعبر والدروس ما يكوِّن المادَّة العلمية والتربوية التي تستحق أن تُبثَّ للناس في كل مكان.
* روى الشافعي في مسنده أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: (اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وزد من شرَّفه وكرَّمه ومن حجَّه واعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبرَّا)، وقد أشار الحافظ البيهقي إلى أن هذا الحديث منقطع، وذكر ابن كثير أنَّ له شاهداً مُرْسلاً عن سفيان الثوري: «كان النبي صلى الله عليه وسلم» إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبَّر وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحِّينا ربَّنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةً وبرَّا، وزد من حجَّه واعتمره تكريماً وتشريفاً وتعظيماً وبراً».
* قالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ أوَّل شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف، ثم حج أبوبكر وعمر مثله، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلونه.
* روى زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال للركن: أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه.
* عن جابر قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخل المسجد فاستلم الحجر ثم مضى على يمينه فرَمل ثلاثاً ومشى أربعاً ثم أتى المقام فقال:{وّاتَّخٌذٍوا مٌن مَّقّامٌ إبًرّاهٌيمّ مٍصّلَْى} فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه ثم خرج إلى الصَّفا، أظنُّه قال: {إنَّ الصَّفّا وّالًمّرًوّةّ مٌن شّعّائٌرٌ اللَّهٌ} وهذا حديث حسن صحيح.
هنا - أيها الأحبة - وقفة أمام قول جابر «أظنُّه قال:» تدلُّنا على أمانة أولئك الرجال رضي الله عنهم في النقل عن سيِّد الخلق وتملأ نفوسنا بالثقة الكبيرة بهم، وتجعلنا نحمد الله أنْ قيَّضَهم لخدمة دينه وسنَّة نبيه.
إشارة
فلست ترى سوى الإحرام ثوباً
ولا سكناً لهم غير الخيامِ
|
|