مازال السؤال الأكثر إلحاحا بخصوص العراق وينتظر إجابة هو لماذا تتعجل واشنطن بهذه الصورة فتح الطريق أمام الحرب؟ فإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش وحتى بعد أدلة كولن باول امام مجلس الامن مؤخرا لم تستطع تقديم أي دليل ملموس على مزاعمها بأن العراق يمثل حاليا خطرا واضحا.
كما أنها لم تقدم دليلا حقيقيا على أن الرئيس العراقي صدام حسين يمتلك بالفعل أسلحة بيولوجية أو كيماوية أو نووية أو صواريخ بعيدة المدى وهو الدليل الذي يمكن أن يوحد المجتمع الدولي ضد صدام حسين كما حدث عندما غزا العراق الكويت عام 1990.
بل إن العكس هو الصحيح فالشكوك في الموقف الأمريكي تنتشر في مختلف أنحاء العالم والحقيقة أنه لا خلاف على أن صدام حسين يتطلع إلى امتلاك ترسانة أسلحة يستطيع بها السيطرة على الكويت وتدمير إسرائيل ولكن لا أحد يمكن أن يحاسب أي إنسان على نواياه مهما كانت هذه النوايا شريرة فالمهم هنا هو الوقائع والحقائق وحتى الآن لم يؤكد أي إنسان أن العراق يمتلك أسلحة نووية.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية انها دمرت كافة منشآت البنية الأساسية للبرنامج النووي العراقي وأن إقامة منشآت جديدة يحتاج إلى سنوات في المقابل فإن الأسلحة البيولوجية والكيماوية والصواريخ التي يزيد مداها عن 150 كيلو متر المحظورةعلى العراق يسهل إخفاؤها وقد صرح هانز بليكس رئيس فريق المفتشين الدوليين عن الأسلحة العراقية بأن صدام حسين يكذب ويراوغ ولكن فريقه لم يعثر على دليل مادي على انتهاك العراق لالتزاماته المعلنة وهنا يثور سؤال مهم هو هل يجب التعامل مع الموقف الحالي في العراق من خلال عمليات التفتيش الدولية أم بالحرب؟ والحقيقة أن إيجاد نظام تفتيش قوي ووقائي يمكن أن يمثل عامل ردع قوي بالنسبة للعراق وهناك رادع آخر وهو الإعلان عن أن أي استخدام لهذه الأسلحة من جانب العراق أو اتخاذ مواقف واضحة يظهر منها العزم على استخدامها سوف يعرض العراق لهجوم عسكري مدمر وهنا يظهر سؤال آخر يقول في هذه الحالة هل ستكون هذه الضربةالعسكرية في إطار جهد دولي أو من جانب الولايات المتحدة بمفردها؟ نقطة ثانية يجب الإشارة إليها تتمثل في اعتماد نظام صدام حسين على التهريب طوال سنوات الحصار الدولي منذ حرب الخليج الثانية وحتى الآن. سواء كان تهريب البترول لبيعه في الأسواق الدولية بعيدا عن رقابة برنامج النفط مقابل الغذاء الذي تديره الأمم المتحدة أو شراء المعدات العسكرية بالإضافة إلى المواد ذات الاستخدام المزدوج مدنيا وعسكريا فالواقع يقول ان صدام حسين تمكن بمساعدة آخرين من انتهاك العقوبات الاقتصادية التي فرضها عليه المجتمع الدولي.
يقول هانز بليكس انه على مدى السنوات الماضية وحتى ديسمبر الماضي تمكن صدام حسين من استيراد 380 محركاً صاروخياً يمكن استخدامها في إنتاج صواريخ تتجاوز المدى المسموح به للعراق وهنا يجب القول بأن الدول والشركات التي ساعدت العراق في هذه الانتهاكات تتحمل جزءاً من المسؤئولية أما واشنطن فترى أن أسهل حل لهذه المشكلة هو غزو العراق وبمفردها إذا لزم الأمر في حين ترى أغلب دول العالم ضرورة منح المفتشين الدوليين فرصة كاملة أما الأمم المتحدة فلم تحدد سقفا زمنيا لعمليات التفتيش على الأسلحة وقد تستمر هذه العمليات حتى تتمكن بالفعل من التوصل إلى نتيجة حاسمة كما ان إرجاء واشنطن للتحرك العسكري فترة طويلة لن يجعلها تخسر أي شيء كما يجب استمرار عمل لجنة برنامج النفط مقابل الغذاء التابعة للأمم المتحدة التي تسيطر على عائدات مبيعات البترول العراقي بهدف توفير احتياجات الشعب العراقي المقهور من الغذاء والدواء كما يجب أن يتحمل العراق كل أو أغلب تكاليف عمليات التفتيش وغيرها من عمليات الأمم المتحدة فيه بالإضافة إلى ضرروة وقف عمليات تهريب البترول العراقي التي يقوم بها نظام الرئيس صدام حسين حيث يستخدم عائدات هذه العمليات في تمويل أجهزته الأمنية المتعددة وشراء ولاء المحيطين به فبدون هذه الأموال التي يحصل عليها من التهريب وبدون أسلحة الدمار الشامل التي ستتكفل بها فرق التفتيش فإن صدام حسين يمكن يصبح في مهب الريح. وساعتها ستزداد فرص الإنقلاب عليه والإطاحة به دون الحاجة إلى عمل عسكري يؤدي إلى قتل آلاف الأبرياء.
كما أن الولايات المتحدة سوف تكسب كثيرا إذا ما تراجعت عن طريق الحرب وسوف تمتلئ شوارع المدن الأمريكية ومدن العالم أجمع بالمحتلفين بانتصار إرادة السلام وستنتعش أسواق العالم التي تكتم أنفاسها حاليا خوفا من الحرب المنتظرة كما ستسترد واشنطن احترام حلفائها وأصدقائها الذي فقدته بسبب نغمة الحرب التي تعزفها الإدارة الأمريكية الحالية باستمرار كما أن مثل هذه الخطوة من جانب واشنطن سوف تسقط كل الاتهامات التي تم توجيهها إليها بأن هدفها الأساسي هو الاستيلاء على نفط العراق وليس تحرير الشعب العراقي من الطاغية ولا التخلص من أسلحة الدمار الشامل وفي هذه الحالة يمكن أن يستمر جزء من القوات الأمريكية في منطقة الخليج لفترة من الزمن بهدف تأمين تحقيق الأهداف العامة وسوف ينقذ ذلك حياة آلاف الأمريكيين والعراقيين الذين كان يمكن أن تذهب سدى في هذه الحرب.
وكذلك سيتم توفير مئات المليارات من الدولارات كما أن هذه النهاية السعيدة للأزمة سوف توفر على الولايات المتحدة عبء السيطرةعلى عراق مقسم عرقيا ومشتعل بالخلافات لعشر سنين قادمة وستتفرغ الولايات المتحدة للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي الذي يسمم العلاقات الأمريكية مع العالمين العربي والإسلامي.
علاوة على قيادة تحالف حقيقي لمواجهة تنظيم القاعدة والإرهاب الدولي.
|