العيد في اللغة الموسم وجمعه «أعياد» على لفظ الواحد فرقاً بينه وبين أعواد الخشب «وعيدت تعييداً» شهدت العيد وفي التنزيل {وّلّوً رٍدٍَوا لّعّادٍوا لٌمّا نٍهٍوا عّنًهٍ } وفي المثل «العود أحمدٌ» والعائدة العطف والمنفعة، والعيد يذكرنا في لفظه ومعناه بالعائدة. وهي المعروف والاحسان. ومن صفات الحق سبحانه أنه «المبدىء المعيد» أي الذي يبدأ بالفضل ثم يعيده، ولعل تذكير العيد لنا بالعائدة وهي المعروف والاحسان هو بعض من حكمة الشرع في زكاة الفطر وتوزيع الأضاحي والهدي، حيث يعود المسلم بهذا الشيء على إخوانه ويوسع عليهم في أيام فرحهم وراحتهم إذا طالما حُرموا من ذلك طيلة العام وحينما يُقبل علينا العيد بخيراته ونفحاته وتجلياته يجدر بنا أن نلقاه ونفرح به وندرك مرماه ومغزاه وهدفه وحقيقته وندرك مذاقه الذي غاب عن الكثير وحين يعود علينا العيد بخيره وبره ينبغي أن نُرى في العيد أكثر جداً وعمقاً أمة مسلمة عاملة تتنزه عن الفرقة والفتنة وإشاعة الفاحشة وإثارة الشهوات وتتمسك بالجد والحق والحزم والعزم ومكارم الأخلاق وحميد الخلال والفعال، حين يعود العيد يجب أن يرى أمة ماجدة بعمر صدورها الايمان وتزدانُ دنياها بالعمل الصالح الرابح وهنا يحق للأمة التي هذا وضعها أن تفرح بالعيد {فّبٌذّلٌكّ فّلًيّفًرّحٍوا هٍوّ خّيًرِ مٌَمَّا يّجًمّعٍونّ} وأمة هذا وضعها يحق لها أن تفرح بعيدها كل الفرحة وأن تبتهج به كل البهجة يجب أن نعود الى الحياة في العيد وما بعده بالأمل الباسم، وما استحق الحياة الصحيحة من عاش لنفسه فقط بل من تتألق نفوسهم بعلو الهمة وشرف المقصد، وفرحة العيد الصحيحة هي لذلك المجد لذلك العامل المخلص لربه ثم لدينه ووطنه وأقبل بحق وصدق على مولاه وقهر شهوته ورغبته ومطامعه ومطامحه غير الشريفة ولا النظيفة وكل فرحة لها مظهرها ومنظرها البهي البهيج وفرحة عيدنا نحن المسلمين تتجلى في تلك الحشود المؤمنة والجموع الموقنة المطمئنة تتجلى في ذلك الهتاف الاسلامي الرائع وذلك الاصطفاف المبهج لصلاة العيد، وفي تلك التهنئات الرقيقة والرفيقة التي اعتادها المسلمون، إن المسلمين في أعيادهم لهم تميز خاص وفرح خاص وفرحهم فرح الأقوياء الأتقياء الذين ينعمون ويفرحون ويبهجون ولكنهم منضبطون لا يعتدون ولا يزيفون ولا ينحرفون بل يلزمون دوماً طريق الحق ويتأدبون بأدب القرآن في فرحهم ولما قال الحق سبحانه { إنَّ اللَّهّ لا يٍحٌبٍَ الفّرٌحٌينّ } علموا من ذلك أنه الفرح الزائد بمتاع الدنيا وزخرفها ومباهجها على حساب الآخرة وليس من شأن المسلم ذلك ولذا قيل:
ولستُ بمفراحٍ إذ الخير مسني
ولا جازعٍ من صرفه المتقلبِ
وما من شيء على ظهر هذه الأرض إلا والاعتدال يزينه ويعليه والاسراف يشينه ويرديه إلا عمل الخير والبر والمعروف والإحسان ولذا قيل لا خيرَ في الإسراف، ولا إسراف في الخير.
*ر77ر*}
هذه هي أعياد المسلمين خير وبركة وبر ومعروف، واحسان وبسمة «حانية» وصلة «دانية» في العيد الاسلامي تمس الأمة صغارها وكبارها بفرحة غامرة منضبطة تهز الكيان والأبدان، تنطلق الأيدي الخيرة من عقالها عطاءً وبذلاً وبراً، والمسلم اليوم لو أراد المقارنة والمقاربة بين عيد اليوم وأعيادنا بالأمس لوجد الفرق واضحا والبون شاسعاً فلا نجد في أعيادنا الآن إلا ظلاً خافتاً وجواً صامتاً أو خيالاً غير ثابت وكأنما تغيرت الأعياد فبقيت لها الأسماء وزالت عنها الصفات والسمات والخصائص، وإذا كان هذا العيد هو عيد التضحية والتضحية أنواع وألوان فهناك التضحية بالمال والمتاع وهناك التضحية بالوقت والفكر والجهد وهناك التضحية الكبرى بالهوى والشهوات والشبهات وما تميل اليه النفوس وهذه أشد وأكبر أنواع التضحيات، إن التضحية ببهيمة الأنعام لهي أمر سهل وميسور لكن التضحية بما هو أعظم مما تميل اليه النفوس هو الأهم وهو الذي يجب ان يضحي فيه المرء ليسلم دينه وتستقيم دنياه، إن معركة الأنبياء وهم الأسوة والقدوة والأنموذج الأمثل في التضحية والفداء قد تجلّت فيهم ألوان التضحيات الصحيحة وان الحرص على هذه التضحيات ميراث من تراثهم الماجد الخالد، لقد بَعُد العهد بيننا وبين المعرفة الصحيحة لميراث النبوة وسيطرت على الكثير منا الاثرة والأنانية والحرص وحب الذات وأصبحنا بأمس الحاجة الى تذوق هذه التضحية الصحيحة والتعود عليها والتخلص من ربقة الشح والحرص ولنظهر في أعيادنا الاسلامية أكثر تعاوناً وتلاحماً وتعاوناً لنظهر بمظهر الأمة الواعية المدركة ولنراجع تراث وتاريخ أمتنا لنجد هذا التاريخ المشرق المبهج مليئاً بالتضحيات والبطولات الخيرة المعدة لبني الإنسان، وما قيمة الحياة بدون عقيدة وهدف نبيل وما منفعة العيش إذا لم يكن كفاحاً فيه تعب ونصب ثم مسرّة وهناء، إن لكل عيد فلسفة وهدفاً، وفلسفة عيد الأضحى تقوم على البذل والعطاء والتضحية والفداء والالتزام والاحتشام والوفاء، فيه نكران للذات وسحق ومحق للرغبات ومقاومة للشهوات وازهاق لروح الشتات والفرقة والاختلاف.
بصر الله المسلمين بدينهم ورزقنا الاخلاص في القول والعمل والله المعين.
|